أصدقاء البيئة وأعداء الأرض

أصدقاء البيئة وأعداء الأرض

المغرب اليوم -

أصدقاء البيئة وأعداء الأرض

توفيق بو عشرين

11 ألف شرطي ودركي ومخبر تجندوا في العاصمة باريس لحماية مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية. جيش كامل تجند لحماية رؤساء وملوك وأمراء العالم الذين جاؤوا إلى باريس لإلقاء خطب جميلة حول الأرض والماء والحيوان والهواء والنبات المهددة اليوم نتيجة الإسراف في التصنيع والاستهتار بالبيئة، والجشع في استغلال الموارد الطبيعية، والأنانية تجاه الأجيال المقبلة التي ستحرم من حقها في موارد الطبيعة وفي تنوعها، بل ستكون ضحية للكوارث الحالية والمستقبلية. المفارقة أن السلطات الفرنسية فتحت الميكرفونات للقادة المتهمين بتلويث البيئة، فيما فرضت الإقامة الإجبارية على 26 ناشطا بيئيا منعوا من مغادرة بيوتهم يوم قمة المناخ.

تراهن فرنسا على أسلوب الإقناع بدل الإلزام، أي إقناع قادة العالم بأن الحياة مهددة على الأرض، وأن الجري وراء النمو والتنافس والتصنيع والإنتاج لا يتعارض مع الاقتصاد الأخضر، لكن مع بذل مجهود أكبر، ودفع فاتورة أغلى، والوعي بأن الربح السريع خسارة مؤجلة.

لقاء ريو ديجنيرو (1992) فشل وكذلك لقاء كيوتو لأن الدول الملوثة الكبرى، أمريكا والصين والهند والبرازيل وغيرها، ترفض الالتزام بما تقرر في هذه المؤتمرات. كل دولة لها حسابات خاصة.. أمريكا ترى أن التقيد بمدونة سلوك رحيمة مع البيئة سيؤخر وتيرة النمو في بلادها، وسيضعف من تنافسيتها في سوق لا يرحم، أما الصين فإنها إلى وقت قريب كانت تعتبر أن المبالغة في الحديث عن التغيرات المناخية وحماية البيئة ما هو إلا خطة إمبريالية لوقف نموها، وأن الدول الصناعية الغربية، وفي مقدمتها أمريكا، بعد أن لوثت الأرض لقرنين كاملين، جاءت اليوم لتعطي العالم الفقير الدروس في حماية البيئة، وهي، من ثم، تريد أن تجعل الطريق نحو نهوض هذه البلدان أطول، أما البيئة فهي آخر همومها.

جاء أوباما إلى قمة باريس ليستعرض مهاراته في الخطابة، وأسلوبه الساحر في الكلام، لكنه يعرف أن الأغلبية الجمهورية في الكونغرس تستهزئ بالحديث عن التزام قانوني بالحد من الانبعاثات الغازية، ولهذا صوت الجمهوريون في الكونغرس، قبل انطلاق القمة، على قانون يمنع توقيع الإدارة الحالية على أي اتفاقية ملزمة للحد من انبعاث الكربون، لأن أقطاب الجمهوريين مرتبطون باللوبي النفطي والصناعي المتحكم في البلاد، لهذا فخطابات أوباما في باريس أمام 194 دولة لن تكون سوى خطابات لأرشيفه الشخصي بعد أن يتقاعد.

الدول التي تدافع عن اتفاقية ملزمة للحد من التغيرات المناخية نوعان: إما دول غنية لها رأي عام واعٍ بمخاطر البيئة، وهو يضغط على حكوماته للحد من الأضرار الكبيرة التي تلحق بصحة الأرض والماء والهواء والنبات، وحتى لا تذهب أصوات هذه الكتلة الناخبة المهمة إلى أحزاب الخضر، المعتدلة والمتطرفة على السواء، تحاول الحكومات اليمينية واليسارية تبني البرنامج الأخضر لاستيعاب أصدقاء البيئة الذين يزداد عددهم يوما بعد آخر. أما الصنف الثاني من الدول فهي الفقيرة التي تدفع ثمن الاختلالات البيئية من سلامة أبنائها وأراضيها ومستقبل العيش في أوطانها.

الفوضى البيئية التي يعيش فيها العالم ليست خللا تقنيا، أو انحرافا أخلاقيا، أو جشعا اقتصاديا فقط، المشكلة أعقد من هذا المستوى.. المشكل سببه ثلاثة عوامل رئيسة: أولا: غياب «حكومة عالمية» تفرض القانون على مجتمع الدول، وتنظم صراع المصالح على الموارد الطبيعية، وتخفف من الفوضى المنتشرة فوق أرض صارت قرية صغيرة ومتداخلة. صار الاقتصاد عالميا، وأضحى السوق عالميا، لكن القانون مازال محليا والأمم المتحدة منبرا للخطابة لا يقيم له الكبار وزنا. السبب الثاني هو إيديولوجيا الغرب المادية، والرأسمالية تحديدا، التي ترفع شعار: «دعه يعمل دعه يمر». إيديولوجيا تقدس الربح والمادة والمال والمتعة والغريزة دون حدود ودون تفكير في حقوق الآخرين، وحقهم في البيئة المشتركة، فالشركة التي تعمل في تكساس على استغلال حقول النفط منذ قرن لا ترى أن إضرارها بالبيئة والمناخ يغرق ملايين البنغلادشيين بسبب الفيضانات والسيول القاتلة. السبب الثالث وراء اختلال البيئة هو نموذج العيش الحديث الذي يسوقه الغرب إلى كل المجتمعات، حيث الحياة المرفهة المبنية كلها على استغلال غير معقلن للموارد الطبيعية، والإسراف الكبير في استهلاك الطاقة والماء والغذاء والثروات الحيوانية والمائية… لا توجد موارد كافية فوق الأرض لاستمرار نمط عيشنا هذا بالنسبة إلى أكثر من سبعة ملايير إنسان.. نمط العيش هذا صار معديا للبيئة، والحل هو أن نصير أصدقاء لأمنا الأرض لا أعداء لها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصدقاء البيئة وأعداء الأرض أصدقاء البيئة وأعداء الأرض



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib