لقد فاتكم القطار…

لقد فاتكم القطار…

المغرب اليوم -

لقد فاتكم القطار…

توفيق بو عشرين


لا تتصور المعارضة أنها يمكن أن تعارض الحكومة دون الاستعانة بالملك، ودون جعل القصر طرفا في هذه المعارضة بشكل أو بآخر، ولا تتصور الحكومة أنها يمكن أن تحكم دون مساعدة الملك، ودون حمايته، ودون أن يكون راضيا عنها… هذه ثقافة الدساتير السابقة على دستور 2011، وللأسف، الثقافة التقليدية هي السائدة لدى النخب الحزبية في مجملها.. الأحزاب عندنا طفل لم يفطم بعد عن عادة الوقوف عند باب القصر في انتظار ما يصدر من دار المخزن…

هذا السلوك السياسي المحافظ، والرجعي حتى، له أسباب عدة نجملها في الآتي…

أولا: منذ الاستقلال والحياة السياسية مبنية على ميزان الغالب والمغلوب. بعد فترة وفاق قصيرة بين أحزاب الحركة الوطنية والقصر سرعان ما انزلق الصراع بين الطرفين إلى إما غالب أو مغلوب دون حلول وسطى ودون تفاوض ودون سياسة.. وللإنصاف، فإن اندفاع الملك الشاب آنذاك، الحسن الثاني، واتساع شهيته لبلع أكبر قدر من السلطة دفع بخصومه إلى معارضة راديكالية، ودفع بحلفائه إلى القبول بدور الكومبارس، وتحولت السياسة كلها إلى متابعة الأنشطة والخطب والإشارات والحركات الملكية، وما يريده «سيدنا» وما لا يريده. أعداء النظام، إما في السجون والمنافي يتآمرون، أو في أحزاب ونقابات يناوشون، وحلفاء النظام حول الموائد يأكلون، ويتنافسون على أفضل من ينفذ برنامج الملك، ومن يظهر أكبر درجة من الولاء للجالس على العرش، وهنا أصيبت السياسة في مقتل، وابتعد الجمهور عن حلبة لا يدخلها إلا المناضلون الذين يضعون رؤوسهم فوق أكفهم، أو الانتهازيون الذين يضعون مصالحهم تحت ألسنتهم، ويبيعون الولاء المزعوم بمغانم وأموال ومناصب وامتيازات…

ثانيا: ثقافة الفاعل السياسي المغربي، منذ القرون الوسطى، لا تخرج عن خطاطة الشيخ والمريد، السلطان والرعية، الرئيس والمرؤوس، الخاصة والعامة، «الفوق والتحت»… لا توجد معالم كثيرة للثقافة السياسية العصرية حتى لدى النخب التي تدعي الحداثة والعصرنة.. لا توجد ثقافة الشراكة ورسم الحدود والتقيد بالدستور والتفاوض على أساس المكتوب وعلى قاعدة الديمقراطية.

عندما دخل الشيخ عبد الرحمان اليوسفي إلى القصر سنة 1998، وخرج باتفاق مع الراحل الحسن الثاني على تشكيل الحكومة، قال لحزبه وللجمهور الذي طلب معرفة تفاصيل صفقة التناوب التوافقي: «إنني أقسمت على القرآن في القصر»، ثم أغلق فمه ولم يتحدث إلى الآن. كان الكثيرون يراهنون على حزب كبير مثل الاتحاد الاشتراكي للعب دور في تحديث النظام التقليدي، لكن العكس هو الذي حدث.. الحزب هو الذي صار تقليديا بل ومحافظا، إلى أن أتى كاتب أول مثل إدريس لشكر، فجعل من المعارضة «معارضة صاحب الجلالة»، وهي جملة قالها الزعيم الجديد في التلفزة، ولا تحتاج إلى مزيد شرح من قبل أحد…

ثالثا: الأحزاب اليوم في مجملها تخاف الجمهور.. تخاف حكم صندوق الاقتراع، وتخاف المواطن، لهذا فإنها تحتمي بالقصر وبالعرش لأهداف عدة؛ منها طلب الرعاية، ومنها استمالة الأعيان الذين لا يتحركون عكس التيار، والذين لهم مصالح وامتيازات يدافعون عنها بواسطة الخزانات الانتخابية التي بحوزتهم، والتي ربوها ورعوها طيلة سنوات كثيرة. أغلبية الأحزاب لا تخاطب الجمهور ولا تتطلع إلى إرضاء الناخب، بل هي تخاطب القصر بالدرجة الأولى، وتعتبر أن الحزب لكي يكون حزبا، سواء في الحكومة أو المعارضة، لا بد أن يكون مرضيا عنه في دار المخزن، ولا بد له من قناة خلفية توصله إلى باب المشور السعيد. هذا أمر لا علاقة له بالولاء ولا بالحب ولا بالاحترام الواجب للجالس على العرش.. هذا أمر يتعلق بتكتيك سياسي للالتفاف على حكم الناس.. «المخزن سيساعدنا في الانتخابات، وفي التعيينات، وفي مصاريف إدارة الحزب والحملات الانتخابية، إذن، لا قلق مادامت الرعاية موجودة»… هؤلاء هم من يطلق عليهم الأنتروبولوجي المغربي عبد الله حمودي: «النخب المولوية»، وللأسف، هذا النموذج هو الذي يغري بالاتباع اليوم…

تغيرت أشياء كثيرة في المغرب.. مات ملك وجاء ملك جديد. مات دستور الحسن الثاني وولد دستور محمد السادس. طويت صفحة الشارع الخامل وولد الشارع المتحرك الذي أطل برأسه في 20 فبراير 2011. سالت مياه كثيرة تحت كل الجسور.. تحت جسر النظام والدولة والمجتمع والقصر والشارع، لكن نخبنا التقليدية لم تستيقظ من نومها، ولم تغير عاداتها، ولم تراجع أسلوب عملها.. مازالت تقرأ دستور 2011 بعيون دستور 1962.. عوض أن تساعد القصر على التحديث تجره إلى التقليد، وعوض أن تحمل معه جزءا من العبء تدفعه إلى أن يؤدي فواتيره وفواتيرها من جيبه، وعوض أن تقبل به حكما في الأزمات الكبرى تغريه بأن يصير ملكية تنفيذية تتدخل في الصغيرة والكبيرة، وعوض أن تعتمد على نفسها وأن تتصالح مع الجمهور، تريد أن تتاجر بشرعية القصر ومكانته لدى الناس… استيقظوا، لقد فاتكم القطار.. مع الاعتذار إلى عبد الله صالح الذي ينطق القاف على طريقة أهل اليمن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقد فاتكم القطار… لقد فاتكم القطار…



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib