حوار هادئ مع العدل والإحسان

حوار هادئ مع العدل والإحسان

المغرب اليوم -

حوار هادئ مع العدل والإحسان

بقلم : توفيق بو عشرين

اطلعت على التقرير السياسي، الذي قدمه عبد الواحد متوكل، رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، في الدورة الـ20 للمجلس القطري للجماعة، فوجدت فيه أن السيد المتوكل يؤاخذني بما كتبته في إحدى الافتتاحيات بهذه الجريدة ردا على إلياس العماري، الذي وصف الحزب المتصدر نتائج الاقتراع الأخير بالمتوحش، قبل أن يرجع ويمد له يد المصالحة أسبوعا فقط بعد ذلك. جاء في تقرير الدائرة السياسية: «كتب صحافي معروف كلاما وجدته معقولا، منددا بما صدر عن زعيم حزب سياسي في حق العدالة والتنمية، واصفا كلامه بالمنيفتسو الأسود، لما يرى فيه من إهانة لأكثر من 1.8 مليون مغربي الذين وضعوا ثقتهم في هذا الحزب وصوتوا له، ومن احتقار لذكاء المغاربة. ثم ذكر بأن صاحب المنفيستو الأسود مصاب، من منظور التحليل النفسي، بمرض يمنع المصاب به من رؤية الواقع كما هو، ويسمى إنكار الواقع». انتهى كلامه مختصرا. هذا هو الشق الذي يتفق معي فيه الدكتور المتوكل، أما نصف الكأس الذي يراه فارغا في كلامي فهو: «الذي أدهشني هو أن الذي كتب هذا الكلام فعل الشيء نفسه مع الذين يخالفونه الرأي، حيث وصف أكثر من 20 مليونا من المغاربة، الذين قاطعوا الانتخابات، بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها غير لائقة. فهل 1.8 مليون هم وحدهم أذكياء هذا البلد، في حين أن 20 مليونا هم مجرد صعاليك وأغبياء؟ وهل 1.8 مليون هم الذين يمثلون المغاربة، في حين أن أكثر من 20 مليونا هم دخلاء على هذا الوطن ولا علاقة لهم به؟ وماذا يسمى في التحليل النفسي هذا التجاهل لأكثر من 20 مليونا الذين قاطعوا، وإن بأسباب مختلفة، هذه المهزلة التي يسمونها انتخابات؟ أليس لرأيهم اعتبار؟ فكيف يجرؤ عاقل على الاستخفاف بموقفهم ووصفه بأقذع الأوصاف؟ وإن لم يكن هذا احتقارا لذكاء هؤلاء، فبم نسميه إذن؟ أليس لهم الحق في أن يكون لهم رأي مخالف، بصرف النظر عما إذا كان صوابا أو خطأ؟ أليس لهم الحق في التعريف بموقفهم، لاسيما وأننا أمام عدد ضخم لا يمكن أن يتجاهله إلا نظام استبدادي، مثل ما هو موجود عندنا، أو إنسان معاند مكابر أو غير منصف، أم إن حمزة لا بواكي له؟». انتهى كلام الدائرة السياسية للجماعة… هناك طريقة سهلة للرد على الخصم أو المخالف، وهي أن تقول بدله كلاما لم يقله، ومن الأفضل أن يكون كلاما غير منطقي، أو مما يسهل الرد عليه بسهولة، ولأن ذاكرة جل القرّاء قصيرة، ولأن تقرير الدائرة السياسية لا يناقش علنيا، ولأن أحدا لا يطالب أحدا بدليل أو مرجع أو إثبات، فإن العملية تصبح سهلة… الذي وقع هو ما يلي: لقد حاولت أكثر من مرة أن ألفت نظر القرّاء والمهتمين إلى رقم مرعب وهو 20 مليون مغربي لم يشاركوا في اقتراع السابع من أكتوبر، وقلت إنه، في غياب دراسات سوسيولوجية واستطلاعات رأي موثوق بها، يمكن أن نقسم حزب الكنبة هذا، الذي ظل يتفرج على العملية، إلى عدة أصناف؛ فيهم الذي يقاطع الانتخابات سياسيا مثل العدل والإحسان، ويرى أن الصناديق مجرد خدعة سياسية مادامت السلطة الحقيقية خارج أي تبارٍ، وهناك من يقاطع ليس لأنه ضد النظام، بل لأنه يائس من قدرة الأحزاب السياسية على تقديم بدائل للواقع المر، وهناك من يقاطع لأسباب ثقافية لأن جسده في المغرب وعقله في الخارج، ولا يربط بين الاثنين إلا خيط الأنترنت أو G4، وهؤلاء من شباب اليوم البعيدين كل البعد عن الاهتمام بالسياسة… وهكذا، لم أسب ولم ألعن العشرين مليونا الذين قاطعوا صندوق الاقتراع، لكن، لا أستطيع علميا وأخلاقيا أن أعتبر كل هذا الشعب عضوا في جماعة العدل والإحسان، ولا حتى متعاطفا معها، ولا حتى سمع عن ندائها لمقاطعة الانتخابات، فنام ذلك اليوم في منزله ولم يذهب إلى صناديق الاقتراع. يقول الفقهاء منذ زمن بعيد: «لا ينسب إلى ساكت قول»، ونحن لا يمكن أن نضع 20 مليون مغربي في سلة واحدة.. هذا يحتاج إلى أكثر من الأماني.
من حق جماعة العدل والإحسان أن تقاطع الانتخابات، ومن حقها ألا ترى فيها أي فائدة سياسية، ومن حقها على وسائل الإعلام أن تفسح لها المجال للتعبير عن رأيها.. هذا جزء من العملية الديمقراطية، لكن، في المقابل، من حقنا عليها أن تسمح لنا بمناقشتها جديا في اختياراتها، والقول إن الجماعة تعرف ما لا تريد لكنها لا تعرف ما تريد، وإن سحبا كثيفة تواجه كل باحث عن النموذج السياسي الذي تبشر به جماعة الراحل عبد السلام ياسين، فمرة، تشكك في شرعية النظام الحاكم، ومرة تطالب الجالس على العرش بالتوبة العمرية، ومرة تنادي بالإصلاح، ومرة تنزل مع حركة 20 فبراير للمطالبة بالملكية البرلمانية، ومرة تدخل وشعبها إلى بيات شتوي طويل…
جماعة العدل والإحسان لها نقاط قوة عديدة، منها أنها جماعة سلمية تنبذ العنف، وعلنية لا تؤمن بالسرية، ومغربية لا ارتباط لها بالخارج، وصوفية لا يشكل فقه التشدد جزءا من مسلكياتها، وجماهيرية تحظى بتمثيل أفقي وعمودي في المجتمع، وعلاوة على كل هذا تجر سجلا كبيرا من المظالم التي وقعت عليها، وظني أن وجود هذه الجماعة، مع حركات إسلامية أخرى في المغرب، أسهم، إلى حد ما، في ترشيد حالة التدين، وإبعاد فئات عديدة من الشباب عن التيار السلفي الجهادي وغير الجهادي، حيث تشكل دوائر الوهابية حلقات معزولة في المجتمع، عكس ما هو موجود الآن في مصر والأردن واليمن وغيرها من الدول العربية، لكن مشكل العدل والإحسان يلخصه مشهد في فيلم «طيور الظلام» لعادل إمام، الذي التقى في السجن، وهو المحسوب على حزب مبارك، ناشطا في جماعة الإخوان المسلمين، فقال له عادل إمام، بعد أن صارا المعتقلان صديقين: «المشكل يا أخي أننا حزب لا يعرف كيف يصير جماعة قريبة من المجتمع، وأنتم جماعة لا تعرف كيف تصير حزبا قريبا من السلطة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار هادئ مع العدل والإحسان حوار هادئ مع العدل والإحسان



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib