امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان

امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان

المغرب اليوم -

امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لا تعايش بعد الآن بين الدولة ودويلة الحزب التي كانت في مرحلة ما الدولة اللبنانيّة.في كلّ يوم يمرّ يتبيّن أن لبنان يمرّ في امتحان ذي طابع مصيري في ضوء التغيير الذي حصل في سوريا، وهو تغيير إنسحب على المنطقة كلّها والتوازن فيها. قطع التحوّل الذي شهدته سوريا خط الإمداد عن "حزب الله" الذي فقد المال والسلاح. عصب المال هو الأهمّ. كان هذا العصب في صلب الوجود الإيراني الطاغي في لبنان. لعب المال الإيراني، مع أموا أخرى إرتبطت به، دوره طوال ما يزيد على أربعين عاما في تغيير طبيعة الطائفة الشيعيّة في لبنان بهدف تغيير طبيعة لبنان كلّه. شمل ذلك في طبيعة الحال قطع العلاقة بين لبنان ومحيطه العربي، خصوصا عمقه الخليجي...

في نهاية المطاف، كانت سوريا الجسر الأساسي، عسكريا وماليا، الذي وفّر للحزب، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، الإستمرار والتقدم على كلّ صعيد في إتجاه وضع اليد على البلد... وصولا إلى التحكّم بمن هو رئيس الجمهورية فيه. فرضت إيران في العام 2016 ميشال عون رئيسا للجمهوريّة. كان العهد الذي امتد بين 2016 و2022، "عهد حزب الله" الذي تحكم، بفضل ميشال عون وصهره جبران باسيل وبفضل السلاح الإيراني، بكل صغيرة وكبيرة في البلد.

تحرّر لبنان داخليا عندما استطاع مجلس النواب إنتخاب رئيس للجمهورية هو قائد الجيش جوزيف عون الذي كان مرفوضا من "حزب الله". كذلك الأمر في ما يتعلّق بإختيار الأكثرية النيابيّة لنواف سلام كي يكون رئيسا لمجلس الوزراء. شكّل نواف سلام حكومة لم يكن ممكنا تشكيلها في عهد السيطرة الإيرانية الكاملة على لبنان، وقبلها السيطرة السوريّة. تضمّ هذه الحكومة شخصيات معقولة جدّا رفعت من مستوى التمثيل المسيحي مقارنة مع الحكومات السابقة. إذا استثنينا وجود عدد قليل من ثقيلي الدم والمتعجرفين، تضمّ الحكومة للمرّة الأولى، منذ سنوات طويلة، وزراء مسيحيين نظيفي الكف يتمتعون بكفاءة عالية.

تحرّر لبنان داخليا، وإن في حدود معيّنة. تحرّر عربيا أيضا وإن نسبيا. يأتي ذلك في وقت توجد رغبة دولية، خصوصا أميركيّة، في إخراجه من تحت السيطرة الإيرانيّة التي يرمز إليها سلاح "حزب الله". لكن الواضح أن لا أحد يستطيع مساعدة لبنان، إذا لم يساعد نفسه أوّلا. أي من دور تجاوز الإمتحان الداخلي والعربي والدولي، الذي يمرّ فيه.

جاءت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية للرياض ومحادثاته مع وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، كي تؤكّد هذا التحرّر عبر رفض صريح سعودي ولبناني، لوجود أي سلاح غير شرعي على الأرض اللبنانية. من الواضح أنّ الإنتهاء من هذا السلاح شرط عربي، ودولي أيضا، كي يحصل لبنان على مساعدات وتبدأ بالفعل عملية إعادة الإعمار.

إستغلت إسرائيل حرب "إسناد غزّة" التي بدأها "حزب الله"، بناء على طلب إيراني، كي تدمّر عشرات القرى في جنوب لبنان. اللافت أنّ "حزب الله"، بغطاء من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، يريد الآن من الحكومة اللبنانية مباشرة إعادة الإعمار، فيما لم يعد سرّا أن لا أموال عربية لمساعدة لبنان ما دام السلاح المذهبي الذي يرفعه "جزب الله" موجودا على أي بقعة من الأرض اللبنانية ويهدد أي شخص موجود في لبنان.

شدّد البيان المشترك السعودي - اللبناني على "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية". هذا يعني بكل بساطة أن لا قيامة للبنان ما دام هناك سلاح غير سلاح الدولة اللبنانية على أرض البلد. هذا يعني أيضا أنّ وضع لبنان صار واضحا إلى حد كبير ومفهوما جدّا. لا مساعدات للبنان ولا إنفتاح عربيا عليه، خصوصا من جانب المملكة العربيّة السعوديّة ما دام لبنان يعيش في ظلّ سلاح "حزب الله" الذي كانت من مهماته قطع علاقات البلد بعمقه العربي.

وضعت زيارة الرئيس جوزيف عون للرياض النقاط على الحروف وحدّا لكلّ التباس. فهم لبنان ما المطلوب منه. فهم جيدا أنّّه يمر بامتحان صعب وأنّ عودة العرب إليه لن تكون سهلة بمجرد إنتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة معقولة. سيظل السؤال الكبير: ما العمل بسلاح "حزب الله" في كلّ الأراضي اللبنانيّة؟ هل يمكن للبنان التحرّر من النفوذ الإيراني نهائيا نعم أم لا؟ هل يستطيع تنفيذ القرار 1701 بكلّ بنوده بدل الشكوى من الإعتداءات الإسرائيلية لتبرير التقاعس في ذلك؟

ظهر ذلك جليّا من خلال نص البيان المشترك التي تطرٍّق، حتى، إلى "البدء بدراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والإجراءات اللازمة للسماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى الجمهورية اللبنانية".

لعلّ أكثر ما فهمه لبنان الرسمي ما يبدو أنّه كان مقتنعا به أصلا. لا تعايش بعد الآن بين الدولة ودويلة الحزب التي كانت في مرحلة ما الدولة اللبنانيّة. مثل هذا التعايش غير مقبول عربيا، خصوصا مع سقوط النظام العلوي في سوريا، هذا النظام الذي نذر نفسه ليكون في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني وكي يساهم في عملية عزل لبنان عن محيطه العربي. حدّد لقاء الرياض بين وليّ العهد السعودي والرئيس اللبناني المطلوب من البلد الصغير مستقبلا. باتت معروفة الشروط الواجب توافرها لنجاح لبنان في العودة إلى لعب دوره في المنطقة. سيظهر ما إذا كان لبنان سيكون قادرا على تلبية هذه الشروط في خلال أسابيع، بعد عطلة عيد الفطر على الأرجح، عندما ستنعقد قمّة سعوديّة – لبنانية أخرى ستكون مناسبة لتوقيع مجموعة إتفاقات بين البلدين...

أمام لبنان أسابيع صعبة، سيكون عليه المرور في الإمتحان في وقت تمرّ سوريا في ظروف ومعقّدة تتسم بالخطورة، لكنّها ظروف لا يمكن أن تؤدي إلى عودة إيران إليها، كما كانت الحال في الماضي القريب، على الرغم من كلّ ما تبذله "الجمهوريّة الإسلاميّة" من جهود لتحقيق هذا الهدف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان امتحان داخلي وعربي ودولي للبنان



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 21:47 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بوتين يعلن عن هدنة "عيد الفصح" في أوكرانيا
المغرب اليوم - بوتين يعلن عن هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib