ستون عاماً على الزلزال السوري

ستون عاماً على الزلزال السوري

المغرب اليوم -

ستون عاماً على الزلزال السوري

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

واضح أن الزلزال الأخير الذي ضرب شمال غربي سوريا، كما ضرب تركيا، غيّر معطيات كثيرة في البلد. لكنّ هناك أمراً واحداً لم يغيره الزلزال. يتمثّل هذا الأمر في وجود نظام يحاصر سوريا والسوريين منذ العام 1963، أي منذ ستين عاماً بالتمام والكمال. لن يتوقف الزلزال السياسي السوري، بتفاعلاته والهزات الناجمة عنه، ما دام النظام قائماً، ولو صورياً. لن يتوقّف حتّى لو لم يكن النفوذ الفعلي للنظام لا يتجاوز دمشق... هذا إذا تجاوزها.

قبل ستين عاماً بالتمام، بدأ الزلزال السوري عملياً. بدأ في الثامن من آذار (مارس) 1963 عندما نفّذ ضباط، بعثيون في معظمهم، انقلاباً أطاح النظام المدني الذي قام في الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر) 1961 ووضع نهاية للوحدة المصريّة – السورية. لم يكن من سبب يدعو إلى مثل هذه الوحدة، التي أسست للنظام الأمني السوري القائم حالياً، باستثناء هرب سوريا وسياسييها من أزمة سياسيّة داخليّة عميقة في تفاقم مستمرّ. عادت هذه الأزمة إلى التفاعل مع نهاية الوحدة وتولي "حزب البعث" السلطة وإن شكلياً.

استولى "حزب البعث" على السلطة عبر ضباط في الجيش السوري معطياً إشارة الإنطلاق لبداية النهاية لسوريا. كانت تلك بداية الزلزال السياسي الكبير الذي حوّل سوريا مع مرور السنوات إلى بلد بائس تتحكّم بمواطنيه الأجهزة الأمنيّة ويحكمه نظام تتحكّم به حال اللاحرب واللاسلم. تفرض حال اللاحرب واللاسلم حاجة دائمة لدى النظام إلى هروب إلى خارج حدوده والدخول في مزايدات يوميّة من أجل البقاء في السلطة. يظلّ التدخل في لبنان في مرحلة معيّنة وإغراقه بالسلاح... وصولاً إلى تغطية عملية اغتيال رفيق الحريري أفضل دليل على لعبة الهروب إلى خارج الحدود التي مارسها النظام السوري دائماً.

عندما استنفد النظام، الذي وقع نهائياً تحت النفوذ الإيراني إثر خلافة بشّار الأسد لوالده في العام 2000، لعبة الهروب إلى خارج حدوده، انتقل إلى مواجهة مباشرة مع الشعب السوري بدأت في آذار (مارس) 2011.

مع الزلزال الطبيعي الأخير الذي ضرب الشمال السوري، تحولت سوريا إلى قضيّة إنسانيّة قبل أي شيء. يبرّر هذا التحول إرسال مساعدات عربيّة إلى ذلك البلد عبر مطاري دمشق وحلب أو بوابات أخرى وذلك من أجل مساعدة المواطنين السوريين الذين تخلت عنهم دولتهم منذ سنوات طويلة وتركتهم في العراء.

في الطريق إلى وصول سوريا إلى ما وصلت إليه هناك محطات عدّة تستأهل التوقّف عندها. لم تمرّ ثلاث سنوات على إنقلاب الثامن من آذار (مارس) 1963، حتّى استولى ضباط بعثيون آخرون على السلطة في 23 شباط (فبراير) 1966. كان هؤلاء الضباط من العلويين وكانوا من كبار الضباط (محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد). لم يكن "البعث" وشعاراته سوى غطاء لتحركهم الذي مهّد لهزيمة العام 1967. كانت تلك هزيمة يتحمّل النظام السوري مسؤوليتها بمقدار ما يتحملها الضابط الريفي الآخر جمال عبد الناصر الذي كان يحكم مصر مع مجموعة من رفاقه ويحرّك الجماهير العربيّة من المحيط إلى الخليج.

باختصار شديد، كانت المحطة الأهمّ في الأعوام الستين الماضية، سيطرة حافظ الأسد على سوريا ابتداء من 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. وضع الأسد الأب، الذي لا يمكن الشكّ في دهائه، السوريين في قفص كبير. استكمل على طريقته عملية تهجير النخب السوريّة من جهة وبناء نظام أقلّوي من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، كان حافظ الأسد وراء تسلّل "الجمهوريّة الإسلاميّة" إلى دول المنطقة خطوة خطوة. سمح بانتقال "الحرس الثوري" إلى لبنان صيف العام 1982 ووقف إلى جانب إيران في حربها مع العراق التي استمرت ثماني سنوات بين 1980 و 1988.

ذهب بشّار الأسد إلى أبعد من ذلك في علاقته مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" وأدواتها في المنطقة، خصوصاً "حزب الله" في لبنان.

في ضوء الزلزال الطبيعي الذي ضرب سوريا أخيراً وخلّف عشرات آلاف الضحايا وخسائر بمليارات الدولارات، باتت أزمة النظام في دمشق ذات طبيعة مختلفة بعدما ثبت أنّ لا مجال لإنقاذ بشّار الأسد سياسياً، مهما علت ضحكته في أثناء تفقده ضحايا الزلزال في حلب. ما هو مطروح حالياً، على الرغم من أنّ بشْار بات يعتبر الزلزال الطبيعي حليفاً له، هل يستطيع الخروج من العباءة الإيرانيّة أم لا؟ الجواب، بكل بساطة أنّه لا يستطيع ذلك نظراً إلى أن "الحرس الثوري" أقوى منه وأكثر نفوذاً في دمشق نفسها.

ما نشاهده حالياً، بالصوت والصورة، من فصول أخيرة في المأساة السوريّة نتيجة طبيعية لزلزال سياسي مستمرّ منذ ستة عقود. معروف كيف بدأ هذا الزلزال. ما ليس معروفاً كيف سينتهي. الشيء الوحيد الأكيد أن سوريا التي عرفناها صارت من الماضي.

المطروح أي مستقبل لإيران في سوريا التي تريد في كلّ يوم مزيداً من المكافآت ثمناً لتمكين بشّار الأسد من البقاء في دمشق. لم تبقِ إيران رئيس النظام السوري في دمشق فحسب، بل جعلته أيضاً يعتقد أن ثمة عائدات كبيرة، عربيّة ودولية، سيحصل عليها بفضل حليفه الزلزال...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ستون عاماً على الزلزال السوري ستون عاماً على الزلزال السوري



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib