لبنان انتظارات على محطة القطار

لبنان... انتظارات على محطة القطار

المغرب اليوم -

لبنان انتظارات على محطة القطار

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

يقول محمود درويش في رائعته «مرّ القطار»: «مر القطارُ سريعاً، كُنْتُ أنتظرُ، وانصرَفَ المُسافرونَ إلى أَيَّامِهِمْ... وأَنا ما زلتُ أَنتظرُ»، وفي وصف الانتظار لبنانياً، هو جماعي... دولةً وشعباً، طوائفَ وأحزاباً، أفراداً وجماعات. أما مضمونه، أي «الانتظار»، فاختلفت هذه الفئات في تفسيره؛ فكلٌّ على ليلاه يغني، والسؤال الأصعب لدى الجميع: هل فاتنا القطار؟

ما لم تدركه الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة ونخبها، أن توم برّاك لا يمثّل جمعية خيرية، بل هو مبعوث رئاسي أميركي يحمل شروط الدولة العظمى الوحيدة في هذا العالم. مشاغله الشخصية ومشاغل بلده كثيرة، فهو لا يملك الكثير من الوقت ليعطيه لهذه الطبقة، ولا هي تملك أصلاً ترف الوقت، ولا القدرة على فرض شروطها بعد أعوام من الفساد وسوء الإدارة السياسية والاستراتيجية، التي جعلت من لبنان دولةً وشعباً رهينةَ الانتظارات.

في حالة الانتظار، أي بانتظار عودة توم برّاك إلى بيروت حاملاً أجوبة إدارته على ملاحظات الدولة اللبنانية بشأن ورقة الشروط التي قُدّمت، وما قيل عن فرص لحاق لبنان بركب المتغيرات التي يحملها قطار الشرق الجديد، فإن واقعاً لبنانياً يزداد تعقيداً يفرض على بعض الجماعات تغيير طبيعتها، وعلى البعض الآخر تصحيح مسارها، وعلى آخرين لجم رغباتهم. وهذا يحتاج إلى عوامل إقليمية تتأثر وتؤثر في الداخل اللبناني؛ فتحوُّل «حزب الله» إلى حزب سياسي يحتاج إلى قناعة إيرانية، وقبول الحزب بطبيعته السياسية بحاجة إلى ورشة داخلية، لا الأولى واضحة ولا الثانية جاهزة. أما باقي الأطراف، فيبدو حتى الآن أنها غير قابلة للانتظام في الدولة كمؤسسة.

فتوم برّاك قد يكون آخر المسافرين، أو آخر المبعوثين إلى لبنان، لكنه ينتمي إلى عائلة من أوائل المهاجرين الذين ركبوا قطار الهجرة الطويلة والبعيدة، هجرة امتهنها اللبنانيون قبل قيام وطنهم الكبير بعقود عدة، وتوارثوها بعد الاستقلال والجلاء، وبعد الحروب الأهلية، والاجتياحات، والوصايات، والانتفاضات، والأزمات السياسية والاقتصادية، حيث امتلأت حجرات قطارات الشرق وموانيه بأولئك الراحلين.

أما بعد «مقتلة الإسناد»، أو ما بعد «الممانعة» إن صحّ التعبير، فإن توم برّاك يطلق صافرة القطار الجديد، وعلى اللبنانيين الاختيار: إما المغادرة، وإما العودة.

أما نحن، المقيمين هنا والمنتظرين على محطات قطاره، فإما أن نودّع مَن قرروا تكرار ما فعله آباؤنا وأجدادنا سابقاً في الرحيل، وإما أن نستقبل العائدين على متن هذا القطار الجديد؛ من وجوه لم تكن مألوفة، ومن أفكار ومشاريع لم تكن مقبولة، لكن المتغيرات جعلتها أمراً واقعاً.

والأخطر أن ركوب القطار العائد إلى هذا الشرق المستحيل، صعب، مثقل بالتحولات الإقليمية المؤلمة، والإصلاحات الداخلية الصعبة. والأسوأ أننا في الوقت نفسه لسنا مؤهلين لركوبه، ولا محصّنين من ركوبه أيضاً، فمغرياته مكلفة، ومطباته كبيرة. والأزمة في استسهال البعض الالتحاق به، وامتناع البعض الآخر عنه. هذه المعضلات قد تكون فرصة لطبقة سياسية ونخبة حاكمة حزبية وطائفية للإفلات من التزاماتها وواجباتها تجاه الداخل، تحت ذريعة «مخاطر الخارج».

عود على بدء يكمل محمود درويش في وصف حال المسافرين «مضوا إلى أيامهم، إلى دفاترهم، إلى موعدٍ مؤجل، إلى وطن يشبه الأغنية، وأنا... ما زلتُ أنتظر». وفي الانتظار، فإن ركوب القطار قد يكون مغامرة، ولكن الامتناع عنه انتحار. ونحن في المحطة الأخيرة، في فرصة أخيرة، لها ما لها وعليها ما عليها من سلبيات وإيجابيات. فهل يُتخذ القرار قبل مرور القطار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان انتظارات على محطة القطار لبنان انتظارات على محطة القطار



GMT 17:51 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 17:49 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

عن الصور والمصورين.. والشخصيات العامة

GMT 17:45 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 17:43 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 17:41 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 17:37 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 17:33 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

GMT 17:31 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشياء فى حوار أديب

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:26 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

هاجر أحمد تعود إلى دراما رمضان بشخصية جديدة
المغرب اليوم - هاجر أحمد تعود إلى دراما رمضان بشخصية جديدة

GMT 07:43 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 01:10 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

"أوتلاندر PHEV" تحفة ميتسوبيشي الكهربائية

GMT 06:45 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 06:32 2023 الأحد ,23 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في السودان

GMT 07:00 2016 السبت ,17 أيلول / سبتمبر

متى يعود "الزعيم" إلى سكة الألقاب؟

GMT 17:31 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يؤكد احترامه للعقد الذي يربطه مع الوداد

GMT 23:28 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أفضل طرق تنظيف جلد السيارة بطريقة صحيحة

GMT 13:13 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المصري للكرة يتخذ إجراءات أمنية لإيقاف مرتضي منصور
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib