«السلاح والدولة» الاجتماع الشيعي بين خطابين

«السلاح والدولة»... الاجتماع الشيعي بين خطابين

المغرب اليوم -

«السلاح والدولة» الاجتماع الشيعي بين خطابين

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

تتذرع نخب الإسلام السياسي الشيعي، ومعها نخب ثقافية وعقائدية في لبنان والعراق، بتمسكها بسلاحها بما تعتبره ضرورة استراتيجية لدرء المخاطر الوجودية. هذه الحجة أو الذريعة المطروحة، أو التي تروج لها هذه النخب حالياً داخل الاجتماع الشيعي في كلا البلدين، تهدف إلى الربط بين ثنائيتين: الأولى العقيدة والسلاح، والثانية السلاح والوجود.

ففي معركة دفاعها عن السلاح، كان له مهمتان: الأولى داخلية فرض الهيمنة، والثانية خارجية تعزيز النفوذ الإيراني. وحين تعرضت المهمة الثانية لضربات قاسمة نتيجة تداعيات عملية «طوفان الأقصى»، تبذل هذه النخب جهوداً جبارة من أجل تعويم سردية جديدة لدور السلاح وربطه بالحماية؛ أي حماية نظام 2003 في العراق، وحماية هيمنة «الثنائي الشيعي» في لبنان.

إذا كانت السردية الأولى مخالفة لطبيعة الفقه الكلاسيكي الشيعي (الحوزة العلمية) الذي نجح على مدى قرون في درء المخاطر عن أتباع المذهب الشيعي بعيداً عن استخدام مبدأ «العنف مقابل العنف»، وخصوصاً في زمن السلطانيات، وتكررها المرجعية النجفية في هذه المرحلة؛ إذ لا ينكر المؤرخون تعرض الشيعة لمظلومية، إلا أن تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في لبنان (1920) والعراق (1921)، بالرغم من أنها تأسست وفق الموروث العثماني، شكّل أول جغرافيا وطنية مستقلة للشيعة في البلدين. وبالرغم أيضاً من الأخطاء الفادحة في التأسيس، وشعور الشيعة بالتهميش والإقصاء ونقصان حقوقهم، فإن تطورهم الاجتماعي والمعرفي، وانخراطهم التدريجي في الدولة ومؤسساتها، إضافة إلى أحداث دراماتيكية في كلا البلدين، أدت إلى توسع دورهم، لا بل بلغوا ذروة النفوذ والهيمنة، مستفيدين من كونهم الأغلبية في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، وتوسع انخراطهم في الدولة في لبنان بعد «اتفاق الطائف».

المأزق الآن أن الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة في العراق ولبنان تواجه أزمة نفوذ لا وجود، خصوصاً بعد فشلها في امتحانين: «السلطة والسلاح». وهي تخوض معركة صعبة ومكلفة على الاجتماع الشيعي من أجل الحفاظ عليهما، وهذا بدوره يحافظ، نوعاً ما، على نفوذ المحور الذي تنتمي إليه. لذلك تعمل هذه الطبقة على الربط بين العقيدة والسلاح وتوصيفه كهويّة سياسية للشيعي، وربطه بثورة العشرين في العراق، والثورة الإسلامية في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان.

لهذا تعمل هذه النخب السياسية والعقائدية والثقافية على ربط السلاح بالوجود، والدفع نحو فصل الجماعة الشيعية عن الجماعات الطائفية والإثنية الأخرى، ومحاولات التأثير على الوعي الجمعي من خلال ازدواجية الولاء للوطن أو للمشروع الطائفي، والدفع إلى تكريس السلاح بصفته الأداة الوحيدة التي تحافظ على استقلالية القرار الشيعي خارج مؤسسات الدولة.

في المقابل، يبرز خطاب شيعي عقلاني وواقعي قوي ومتين في العراق، ويتبلور أكثر في لبنان، يعتمد في سرديته على شق تاريخي يؤكد أن وجود أتباع مذهب أهل البيت في القرون السابقة (عهد السلطانيات) ارتبط بالصبر ومطالب الإصلاح والعدل لا بالسلاح، وأن السلاح في الدولة الحديثة كان أداة ظرفية ولم يكن ركناً عقائدياً، وأن الدولة هي التي تحمي هذه الجماعة لا السلاح. كما أن الإصرار على هذه الثنائيات سيفاقم الأزمة ويأخذها في شقين: الأول شيعي - وطني، والثاني، وهو الأخطر، شيعي - شيعي، وبوادره واضحة جداً في العراق.

وعليه، يمكن للخطاب الأول، صاحب الثنائيتين، أن يرفع المواجهة إلى ذروتها. ولكن في المقابل، يبقى نموذج التعقّل والاندماج بخطابه الهادئ حاضراً. ففي هذه اللحظة الحرجة، يقدَّم خطاب غني في تعريفاته وتوصيفاته من قبل عقلاء عبّروا عن رأيهم بشجاعة، خصوصاً في «إعادة تعريف دور الشيعة من جماعة تبحث عن حماية السلاح، إلى مكوّن وطني يشارك في صياغة الدولة، وبأن المستقبل لا يُبنى بالمقاومة الدائمة ولا بالانعزال الطائفي، بل بالمواطنة والشراكة في مشروع وطني جامع»، وفقاً لأدبيات ونصوص الراحل هاني فحص. ولعل درء المخاطر يحتاج إلى حوار بين الخطابين... وللحديث بقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السلاح والدولة» الاجتماع الشيعي بين خطابين «السلاح والدولة» الاجتماع الشيعي بين خطابين



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib