فخري كريم الأرض بتتكلم كردي

فخري كريم: الأرض بتتكلم كردي

المغرب اليوم -

فخري كريم الأرض بتتكلم كردي

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

لم تعد دروب كردستان وعرة كما وصفها جوناثان راندل في كتابه الشهير عن العراق “أمة في شقاق”، فالطرقات إلى تلك الجبال باتت سالكة وآمنة، وأصبحت ملاذاً للمصطافين والسياح والزوار من العراق ومن خارجه، عرباً وأجانب. فقد نجح الكرد في تحويلها من ملاذ للمقاتلين المدافعين عن حقوقهم وهويتهم، إلى ملاذٍ آمن للنازحين في أوطانهم أو للاجئين من أوطانهم، ومساحة سهلة وممتنعة -كتضاريس جبالهم- للحوار ومعرفة الآخر ومعرفة الآخرين بهم.

فيض المعرفة أو اكتشاف الآخرين في ربيع كردستان الأخير، أي في شهر أبريل (نيسان) الماضي، دفع افتراضياً إلى الاعتقاد، أو مجازاً إلى التعبير، بأن “الأرض بتتكلم كردي”، وهو العنوان الذي اختارته مؤسسة “المدى” لمعرض كتابها السنوي الذي يُقام في أربيل. والغرض من التسمية ليس إثنياً أو تعصباً قوميّاً كرديّاً، فدور النشر العربية كانت كعدد الكردية أو أكثر، ولكن إصرار النخب الكردية على ترجمة الأعمال العربية والعالمية إلى الكردية وإطلاع قرائها عليها، يُساعد على رفع ما تبقَّى من حواجز ورواسب عن ماضٍ أليم ترك أثره في ذاكرة الكرد المعرفية، ليصحح الأحكام المسبقة والمواقف التي اتخذها خصومهم السابقون أو الدائمون. ففي معرض الكتاب كان أغلب المحاضرين عرباً، وأغلب المستمعين كرداً. فقد نجح فخري كريم في المعرض، كما نجح في تحويل صحيفة “المدى” إلى منبر لطلاب الحرية والإصلاح في بلدهم، كما كانت جبال كردستان ملاذاً آمناً للعراقيين المدافعين عن حريتهم.

في السليمانية، كان ملتقاها التاسع، الذي تقيمه الجامعة الأميركية، مكاناً دائماً للتنوع الفكري والسياسي والأكاديمي والشبابي؛ حيث أصبح منصة للحوار الكردي-الكردي، والكردي-العراقي، والكردي-الإقليمي، والعراقي-الإقليمي، وهو إسهام واضح من القائمين عليه في رسم ملامح المستقبل الكردي الخاص والعراقي العام.
نجح عرّاب السياسة العراقية فخري كريم، ورئيس الجمهورية السابق برهم صالح، في نقل تكوينهما المعرفي والفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي من الخاص إلى العام

في السليمانية، كانت بغداد حاضرة بتفاصيلها السياسية والعقائدية، بقلقها واستقرارها. كانت الصراحة حاضرة في كلام المتحدثين، وفي أسئلة المشاركين، وكان صناع القرار محاصرين بالأسئلة. هذه الأسئلة ساعدت على رسم ملامح سياسية واستراتيجية عن إقليم كردستان والعراق في مرحلة انتقالية مضطربة يعيشها العراق والمنطقة. نجح الملتقى في أن يكون قوة ناعمة كردية-عراقية، عبر فتح فضاء للحوار، وجعل من مكانه، أي السليمانية، مساحة للتفكير المشترك وليس للصراع.

العراق

من مهرجان “المدى” ومعرض كتابه، إلى الجامعة الأميركية وملتقى السليمانية، تتمظهر القوة الناعمة الكردية في دورها الإيجابي، الذي يعكس البُعدين الثقافي والسياسي لمن يقف خلفهما. مَن يمكن وصفهم بـ”أصحاب الهوية المركبة”، أو مَن يصفهم من يعرفهم من أصحابهم العرب بـ«كرد بغداد»، أو أقرانهم الكرد بـ”المستعربين الكرد”. فقد نجح عرّاب السياسة العراقية رئيس مؤسسة “المدى” فخري كريم، ورئيس الجمهورية السابق برهم صالح، المشرف على ملتقى السليمانية، في نقل تكوينهما المعرفي والفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي من الخاص إلى العام؛ حيث باتا نموذجين شبه نادرين في زمن الاصطفافات الإثنية والطائفية والجغرافية.

العلاقة بين إقليم كردستان وبغداد مختلفة ثقافيّاً عن علاقة بقية المكونات الكردية بالمركز في المنطقة؛ حيث لم يُفرض عليهم ما فُرض على أقرانهم في بلدان مجاورة، وبعيداً عن جور نظام “البعث”، فإن الأثر الإيجابي واضح بين الطرفين، على الرغم من تراجع الكرد الناطقين بالعربية في العقدين الأخيرين، وقلة عدد الكرد المقيمين في بغداد، وتأثيرهم على المركز، بينما يرتفع عدد العرب المقيمين في مدن كردستان، ويزداد عدد العراقيين الناطقين بالكردية، خصوصاً بعدما استقبل الإقليم قرابة مليوني نازح في زمن “داعش”، جزء ليس بقليل منهم أصبح مقيماً دائماً في الإقليم، ويتحدث الكردية.
لم تعد دروب كردستان وعرة كما وصفها جوناثان راندل في كتابه الشهير عن العراق “أمة في شقاق”، فالطرقات إلى تلك الجبال باتت سالكة وآمنة

فالعودة إلى إتقان العربية باتت هاجساً كردياً، خصوصاً لدى النخبة الحاكمة، وبرز هذا الاهتمام في خطاب حفيد الزعيم الكردي كاكا مسعود بارزاني، أرين مسرور بارزاني، في حفلة تخرّجه في الجامعة الأميركية بالعربية الفصيحة. هي رسالة إيجابية في ترميم الخلل في العلاقة الثقافية بين الجانبين، وهذا يحتاج إلى إرادة أوسع، رسمية وخاصة، ومنصة ثقافية وإعلامية تتقن كيفية تعزيز المشتركات، وليس فقط نقل الأخبار، كالدور الذي تقوم به منصة “+964” الصحافية، التي خلقت مساحة مشتركة بين بائع العسل في دهوك وصائد الأسماك في الفاو.

من شاعر العراق الكبير الجواهري وقصيدته “كردستان يا موطن الأبطال”، إلى شاعر الكرد العظيم شيركو بيكس وقصيدته “حلبجة تذهب إلى بغداد”، وصولاً إلى فخري كريم وبرهم صالح، ومعهما قلّة قليلة أمثال عدنان المفتي ومحمود عثمان، ومن يلتحق بهم من جيل كردي بغدادي يمثلون قوة ناعمة اتسعت رؤيتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فخري كريم الأرض بتتكلم كردي فخري كريم الأرض بتتكلم كردي



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib