المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

المغرب اليوم -

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

العمليتان المتتاليتان اللتان نفّذتهما تل أبيب عبر تفجير أجهزة إلكترونية يستخدمها عناصر «حزب الله» من عسكريين وأمنيين ومدنيين، يمكن وصفهما بالإبادة الجماعية نتيجة عدد المصابين الذي يقترب من أربعة آلاف جريح، وعشرات القتلى في دقائق معدودة، في العملية الأولى من نوعها في التاريخ الحديث، التي تم استخدام التطور العلمي بشكل غير أخلاقي فيها وتحويل المعرفة المدنية الحديثة إلى آلة قتل، الأمر الذي شكل صدمة لمن تبقّى من الرأي العام الدولي، غير المنحاز نسبياً في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بسبب الطريقة التي استخدمت بها.

حتى الآن لم تعلن تل أبيب مسؤوليتها عما حدث، وهي على الأرجح لن تعلن لا في المديين القريب ولا المتوسط، إلا أن مسؤوليتها غير المعلنة عن الجريمة واضحة على وجوه قادتها ونخبها، كما أنها معروفة الأهداف، فالقيادة الإسرائيلية التي نقلت بشكل كبير مجهودها العسكري إلى شمال فلسطين المحتلة، قامت بهذه العملية في إطار استعداداتها لتوجيه ضربة عسكرية لـ«حزب الله» تحت ذريعة حماية حدودها الشمالية.

إذن، معركة الشمال قد تبدأ في أي لحظة، لذلك تتعمد تل أبيب استفزاز «حزب الله» بكل الوسائل من أجل دفعه إلى الرد، فرده يمنحها الفرصة لكسر التفاهم الإيراني - الأميركي حول عدم التصعيد في المنطقة وتجنب الحرب الشاملة التي لا تريدها العاصمتان، ولكن على الرغم من انضباط «حزب الله» وتمسكه بقواعد الاشتباك، فإن تل أبيب مصرة على دفع المنطقة إلى المواجهة، وهي غير معنية بكل الضغوط الأميركية التي تحاول كبح جنون قادتها، وهذا ما تفسره لطهران وحارة حريك (معقل الحزب) بأن واشنطن غير قادرة على انتزاع ضمانات حقيقية من تل أبيب بعدم التصعيد.

قد تلتزم تل أبيب بعدم الاحتكاك المباشر مع طهران، التي حتى الآن لم ترد على عملية اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية على أراضيها، ويبدو ذلك في إطار مساعيها مع واشنطن من أجل حفظ أو حصر التصعيد الإقليمي، إلا أن الممارسات الإسرائيلية قد تفرض على طهران تحركاً انتقامياً ما، وعلى «حزب الله» رداً متناسباً مع حجم الخسائر التي أصيب بها.

أهداف حكومة اليمين المتشدد الإسرائيلي واضحة ولا تنتظر الذرائع لتحقيقها، والدخول إلى لبنان أحد أهم الأهداف بعد الحرب على غزة، وعلى الرغم من بعض التباينات مع واشنطن حول حرب لبنان المحتملة، فإنها قد تكون مختلفة معها على حجمها فقط، وما فعلته في العمليتين الأخيرتين يمكن عدّه تمهيداً جدياً لهذه الحرب، بعدما قامت أولاً بتعطيل سلاح الإشارة والاتصالات لدى الحزب، وهذه ضربة قاسية في الحروب الحديثة يمكن تشبيهها بضربة الطائرات الحربية المصرية وهي جاثمة على مدارجها عشية حرب 1967، الأمر الذي تسبب في خسارة مصر للحرب، كما أنها نجحت في عطب قوة العديد من مقاتلي الحزب وإبعادهم عن جبهة القتال، والأخطر إذا كان جزء من هذا العديد من ضمن قوات النخبة أو من القيادة الميدانية التي لديها خبرات قتالية متراكمة.

رد «حزب الله» مُقبل، وهذا احتمال جدي، والضغوط على طهران قد تكون هذه المرة في نطاقها الجغرافي وليس الكمي، فالحزب يحتاج إلى إعادة اعتباره وإلى استعادة ما تبقى له من قوة الردع، فيما تل أبيب بذرائع أو من دونها، يبدو أن جنون قادتها المخضرمين والجدد في اليمينين السياسي والعقائدي يجعلهم يراهنون على حرب لبنان الثالثة من أجل تحقيق شرعيتهم الداخلية وإعادة تشكيل السلطة في كيان أغلب من فيه ينحو نحو التطرف، ومدجج بآلة حرب عملاقة ومعرفة قاتلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعرفة القاتلة والحرب المحتملة المعرفة القاتلة والحرب المحتملة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib