أميركا وأوروبا كلتاهما في حاجة إلى أخذ نفس عميق

أميركا وأوروبا: كلتاهما في حاجة إلى أخذ نفس عميق

المغرب اليوم -

أميركا وأوروبا كلتاهما في حاجة إلى أخذ نفس عميق

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

«لقد تراجعت الولايات المتحدة عن تحالفاتها لتقف إلى جانب روسيا في مواجهة أوروبا!» ـ هذه الفكرة التي يروج لها الكثير من المعلقين داخل بريطانيا وفرنسا وألمانيا على مدار الأيام القليلة الماضية.

وذهبت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أبعد من ذلك بقولها: «فيما يتعلق بأوروبا، هذه لحظة طوارئ. يبدو أن الولايات المتحدة، التي ضمنت الأمن الأوروبي في مواجهة روسيا طوال 80 عاماً، قد غيرت موقفها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب».

وبناءً على هذا التحليل، عقد الاتحاد الأوروبي قمتين، شاركت بهما بريطانيا العظمى باعتبارها عضواً مؤقتاً. ومن جهتها، خصصت فرنسا مناقشة برلمانية استمرت ست ساعات لهذا الموضوع، مع رئيس الوزراء فرنسوا بايرو وزعماء عدد من الأحزاب، الذين أعلنوا عن مواهبهم الخطابية بخطابات رنانة وزاخرة بالتعبير عن الفضيلة، لكنها خالية من المضمون.

وعبر جنبات وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني، ذاع الحديث عن مضاعفة ميزانيات الدفاع، وإرسال قوات إلى أوكرانيا، وإنشاء جيش أوروبي يضم تركيا، وتقليص حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليتحول مجرد أثر قديم.

وغني عن القول أن جون بولتون، الذي شغل ذات يوم منصب مستشار الأمن القومي للرئيس ترمب، بدا في غاية الحماسة في أثناء حديثه عبر وسائل الإعلام الأوروبية، عن نبوءته حول أن ترمب سينسحب من «ناتو».

وغني عن القول كذلك أن موسكو بدت مبتهجة بتصور وزير الخارجية سيرغي لافروف بخصوص العودة إلى الأيام الخوالي التي كانت فيها الهيمنة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في ظل عالم ثنائي القطب. وفي خضم ذلك، قدم وعداً ضمنياً بمعاونة ترمب في كبح جماح ملالي طهران.

اليوم، قد تتساءل عن السبب وراء كل هذه الضجة. وهنا، تكمن الإجابة في اجتماع المكتب البيضاوي بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تحول إلى ما يشبه حلقة من برنامج تلفزيوني واقعي، شارك في بطولتها نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، ونصف دزينة من المسؤولين الآخرين، ناهيك عن حفنة من المراسلين اضطلعوا بدور الجوقة.

وبحسب المعايير الدبلوماسية الكلاسيكية، فقد جرى إعداد هذا اللقاء على عجل، ولم يفِ بالبروتوكولات الراسخة للاجتماعات الرفيعة المستوى، التي طورت واشنطن الكثير منها وروجت لها، منذ الحرب العالمية الثانية.

أما اللقاء الذي تعرض خلاله زيلينسكي للتقريع والانتقاد الشديد، فلم يكن هناك جدول أعمال مكتوب ومتفق عليه. وما زاد الأمور تعقيداً، بدا أن زيلينسكي، الذي وقع عليه الاختيار باعتباره زعيماً للحرب، ليس لديه أدنى فكرة عما يجب فعله في المواقف الصعبة الدقيقة؛ ما جعله يلتقط الطعم الذي ألقاه فانس.

ولو كان للاجتماع جدول أعمال واضح ومنظم بطريقة مهنية، لكان من الممكن أن يستفيد كلا الجانبين من الاتفاق الذي اقترحه ترمب. وكان من الممكن أن تحصل أوكرانيا، بمقتضى ذلك، على ضمان أمني ضمني، لأنه كما أشار ترمب، إذا كانت الشركات والمواطنون الأميركيون موجودين على الأراضي الأوكرانية، فقد تفكر موسكو مرتين قبل مواصلة قصف البلاد، وكان ترمب سيستفيد كذلك من الظهور في صورة صانع سلام.

إذن، لماذا فشل اللقاء؟

ربما يكون أحد الأسباب، الأسلوب «الثوري» الذي تبنته الإدارة الجديدة، الذي يتجاهل البروتوكولات القديمة، وتدعمها وزارة الخارجية، التي تعدّها حركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» وكراً لعناصر مهرة متخصصين في إنفاق الأموال الأميركية على مشاريع تلتزم الصواب السياسي. (إيلون ماسك يطرد العشرات من هذه العناصر المعنية بكتابة جداول الأعمال وتروج للبروتوكولات).

من جهته، استشهد ترمب بمقولة نابليون: «من يخدم بلده لا يجب أن يكون ملزماً دائماً بالقواعد». وعليه، يعتقد ترمب أن الطريقة التي يتصرف بها مبررة؛ نظراً لأن نيته جعل أميركا عظيمة مرة أخرى.

على الجانب الأوكراني، يُقال إن سفيرة زيلينسكي، أوكسانا ماركاروفا، سيدة لطيفة، لكنها مبتدئة في الدبلوماسية. وبعد أن عملت باعتبارها مصرفية استثمارية، كانت تجربتها الدبلوماسية الوحيدة قبل واشنطن، عملها مبعوثة إلى أنتيغوا. وبقدر ما نعلم، لم تقابل بعد وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو، أو إيلون ماسك، صاحب الشخصية المريبة الذي يحمل شعار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

من جهته، عاد زيلينسكي باعتذار، الثلاثاء، إلى ترمب، ووعد بالعودة إلى واشنطن للتوقيع على اتفاق بخصوص المعادن وعرض وقف إطلاق النار؛ ما يحمل اعترافاً ضمنياً بدوره في الكارثة الصغيرة التي شهدها المكتب البيضاوي.

وعليه، فقد اقترف الأوروبيون خطأ فادحاً عبر المبالغة في رد الفعل على اجتماع لم يجرِ الإعداد له جيداً. والأكيد أنه لا يمكن أن تتلاشى أكثر من 200 عام من العلاقات الوثيقة بين واشنطن وأوروبا بسبب حلقة من برنامج تلفزيوني واقعي. وينبغي الانتباه إلى أن واشنطن علقت المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ولم توقفها تماماً. وتمتلك أوكرانيا بالفعل كل ما تحتاج إليه لمواصلة القتال طوال عام 2025، وهناك متسع من الوقت للعودة إلى واشنطن وإصلاح أي ضرر حدث؟

في السياسة، دائماً ما يسفر التعجل عن إهدار الوقت. وكان ينبغي للقادة الأوروبيين أن يأخذوا نفساً عميقاً، ويمتنعوا عن البحث عن الشهرة عبر تصوير أقدم وأقوى حليف للقارة بأنه خصم محتمل. كما لا ينبغي لهم أن ينشروا أحلاماً وهمية حول بناء جيش أوروبي وصناعة عسكرية يمكن أن تحل محل ما قدمته واشنطن طيلة ثمانية عقود، في لمح البصر.

وعلى امتداد تاريخها، لم تكن واشنطن قط الطرف الذي يبدأ الحرب. أما زعماء أوروبا، فقد تصرفوا الأسبوع الماضي كما كان يفعل باراك أوباما دائماً عندما يواجه أزمة: ألقوا خطاباً منمقاً، نكصوا سريعاً إلى عالم الخيال، تراودهم أحلام جائزة نوبل للسلام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وأوروبا كلتاهما في حاجة إلى أخذ نفس عميق أميركا وأوروبا كلتاهما في حاجة إلى أخذ نفس عميق



GMT 22:32 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 22:19 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 22:18 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

GMT 22:17 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دولة فلسطينية مستقلة حجر الزاوية للسلام

GMT 22:15 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تعريفات ترمب هزّت العالم وأضرّت أميركا!

GMT 22:14 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 22:13 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

GMT 22:12 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

لبنان امتحان لسوريا… وسوريا امتحان للبنان

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:30 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

آسر ياسين يحل ضيفًا على عمرو الليثي في "واحد من الناس"

GMT 06:45 2022 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

سيرين عبد النور تتألق في فساتين مميزة وجذّابة

GMT 17:30 2022 الأربعاء ,14 أيلول / سبتمبر

تصاميم حديثة لأبواب المنزل الخشب الداخليّة

GMT 22:41 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

السعودية تعلن عن عدد الُحجاج موسم هذا العام

GMT 01:51 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تطوير روبوت يمكنه أن يفتح الأبواب بنفسه

GMT 23:24 2021 السبت ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل استدعاء نورة فتحي للتحقيق في قضية غسيل الأموال

GMT 16:18 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

خبر صادم لأصحاب السيارات المستعملة في المغرب

GMT 21:29 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أسباب الإقدام على تغيير زيت الفرامل باستمرار في السيارة

GMT 04:06 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور منصف السلاوي يكشف عن موعد استخدام لقاح "فايزر"

GMT 18:11 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التفاصيل الكاملة لإلغاء حفل سعد لمجرد في مصر

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib