هل يتجه الجنوب «جنوباً»

هل يتجه الجنوب «جنوباً»؟

المغرب اليوم -

هل يتجه الجنوب «جنوباً»

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

لطالما حرصت وسائل الإعلام الرسمية بإيران دائماً على تصوير الجمهورية الإسلامية في موقع قيادي عالمي. وفي هذا الإطار، عمدت هذه الوسائل إلى الترويج لزيارة الرئيس مسعود بزشكيان، التي استغرقت ثلاثة أيام إلى دوشنبه وموسكو، باعتبارها «تعزيزاً كبيراً للجنوب العالمي». الآن، تتساءلون ما «الجنوب العالمي»؟ في الواقع، هذه عبارة تتكرر كثيراً على الألسن، اختُرعت في سبعينات القرن العشرين للتمييز بين دول «العالم الثالث» والكتلتين الشرقية والغربية، من دون التخلي عن عبارة مكررة أخرى مرتبطة بها: «دول عدم الانحياز». ومع انحسار العولمة، إن لم تكن تحتضر بالفعل، يكتسب «الجنوب العالمي» أتباعاً جدداً داخل الدوائر الساعية إلى تقسيم البشرية، على أسس آيديولوجية، بالوقت الذي يجري تصوير الديمقراطيات الغربية باعتبارها شريرة. في الواقع، مسألة تقسيم العالم على أسس جغرافية زائفة لها تاريخ طويل. مثلاً، لطالما نظرت الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الفارسية، في الشرق منها، بديلاً ثقافياً، إن لم تكن تهديداً وجودياً. في العصور الوسطى، كان يجري تصوير الشرق، بالتناوب، باعتباره إما نموذجاً مغرياً أو مثيراً للاشمئزاز بأعين الغرب. من جهته، رأى ماركس، الذي تظاهر بأنه اكتشف قوانين التاريخ البشري، أنه من الضروري الاعتراف بأن تحليله لا ينطبق على «المجتمعات الآسيوية»، التي كان يقصد بها كل العالم خارج أوروبا وأميركا الشمالية. ولعب الشاعر الإمبريالي الإنجليزي روديارد كبلينغ، وهو عملاق أدبي، لكنه قزم سياسي، على وتر مماثل: الشرق هو الشرق والغرب هو الغرب - ولن يلتقي الاثنان أبداً! والمعروف أن طاجيكستان وروسيا، حيث كان بزشكيان زائراً، تقعان إلى الشمال من إيران. والحقيقة أن روسيا، التي تلامس القطب الشمالي، تقع إلى الشمال من كل دولة أخرى بالعالم تقريباً. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن أستراليا، العضو الثابت في كتلة «الشمال» من الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، تقع جغرافياً في الجنوب. كما أن فكرة أن «الجنوب العالمي» يمكن أن تصف علاقات إيران بروسيا أو طاجيكستان؛ لأن أياً منهما لا تتمتع بنظام ديمقراطي غربي، لا تخلو من تضليل. وتكشف الأرقام عن أن قيمة التجارة بين إيران وروسيا عام 2023 بلغت نحو 1.9 مليار دولار؛ ما يمثل قرابة واحد في المائة من مجمل التجارة الخارجية لإيران. وتتمثل أكبر الصادرات الإيرانية إلى روسيا في الفلفل الأخضر، بينما يعدّ الذهب أكبر صادرات موسكو إلى طهران. في سياق متصل، بلغت تجارة إيران مع طاجيكستان أقل من 50 مليون دولار، ما يعادل ثمن شقة في مانهاتن. وفي حين يعيش قرابة ثلاثة ملايين إيراني داخل الولايات المتحدة، كان جزء من «الشمال العالمي» في روسيا يستضيف بضع مئات فقط من المسؤولين والطلاب القادمين من إيران. الحقيقة أن عبارة «الجنوب العالمي» المبتذلة تشكل نسخة أخرى من عبارة «الغرب وبقية العالم»، والتي يقصد بها التعتيم على العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية، التي تصوغ ملامح قرابة 200 دولة تشكل المجتمع البشري، وتؤجج نيران الخطاب المعادي للرأسمالية، خصوصاً المناهض لواشنطن. المثير للاهتمام أن الخبير الاقتصادي البيروفي هيراندو دي سوتو، الذي كان أول من روَّج لمصطلح «الجنوب العالمي»، استخدمه لوصف فشل الأنظمة المعادية للغرب، خصوصاً المناهضة لواشنطن. وفي كتابيه «الطريق الجنوبي» و«لماذا تنتصر الرأسمالية في الغرب، وتفشل في كل مكان آخر؟»، عبَّر عن اعتقاده بأن الرأسمالية لا يمكن أن تنجح دون الديمقراطية. ومنذ نهاية «الحرب الباردة»، ظهر مفهوم «الجنوب العالمي»، في نسخ مختصرة. أما «التوجه نحو الجنوب»، فهو تعبير في اللغة الإنجليزية يجري استخدامه عندما تسير الأمور بشكل سيئ أو تنتهي إلى الفشل. والخبر السار هنا أن المزيد والمزيد من البلدان المصنفة معاً باعتبارها جزءاً من «الجنوب العالمي» لا تتجه نحو الجنوب بهذا المعنى. في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عقدت 10 دول، على الأقل، من بينها السنغال وغانا قريباً، انتخابات ديمقراطية، بينما يشير «مؤشر الحرية» إلى إنجاز تقدم داخل قرابة 20 دولة أخرى. وداخل أميركا اللاتينية كذلك، وخارج الأنظمة المتحجرة مثل كوبا ونيكاراغوا، تتحرك الأوضاع العامة نحو «الشمال»، بدلاً عن «الجنوب». أما آسيا، فتقدم صورة مختلطة. كما أظهرت الانتخابات العامة الأخيرة في الهند أن النجاح الاقتصادي ربما خفَّف من حدة الاستبداد، بدلاً عن تهدئته. وفي الشرق الأوسط، قد لا تؤدي نهاية كابوس نظام الأسد الذي دام خمسين عاماً إلى إرساء الرأسمالية والديمقراطية، لكنها قد تصبح خطوة بعيداً عن النسخة الأكثر غموضاً من نموذج الجنوب. إن لبنان الذي كان جزءاً من «الشمال» عبر الاضطلاع بدور رائد في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي كان خلال العقود الأولى من وجوده باعتباره دولة قومية وملاذاً للحرية والتنوع، يخرج الآن من الكابوس «الجنوبي»، الذي فرضته عليه إيران وأذرعها المحليون. وداخل إيران نفسها، بدأت حتى الشخصيات داخل النظام «الجنوبي» تدرك أن نظامهم ربما «يتجه نحو الجنوب». وقبل أن يسافر إلى طاجيكستان، أدلى الرئيس بزشكيان بهذا الاعتراف المذهل: «إن الوضع الذي نعيشه لا يليق بالأمة الإيرانية». وداخل ما يسمى «الشرق الأوسط الكبير»، شعار آخر من الأفضل تجنبه، هناك رغبة عارمة في الإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية، أو بعبارة أخرى التوجه «شمالاً»، بدلاً عن «جنوباً». الواضح أن جيلاً جديداً من الزعماء أدرك أنه ما لم يحولوا التغيير حليفاً لهم، فإنهم يخاطرون بتحويله عدواً شرساً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يتجه الجنوب «جنوباً» هل يتجه الجنوب «جنوباً»



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib