إيران ــ أميركا دبلوماسية قلم الحبر

إيران ــ أميركا: دبلوماسية قلم الحبر

المغرب اليوم -

إيران ــ أميركا دبلوماسية قلم الحبر

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

هل سيفعلونها أم لا؟ هذا السؤال الذي يتركز حوله حديث المهتمين بالمحادثات الجارية حالياً بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي الإيراني، على أمل الحصول على إجابة واضحة وصريحة. واللافت أن التصريحات العلنية من كلا الجانبين لا تقدّم إجابة واضحة.

من جهته، الرئيس الأميركي دونالد ترمب يبدو واثقاً من أن اتفاقاً يعكس رغباته في طريقه إلى التحقق، بل يتحدث عن عصر ذهبي من الازدهار ينتظر الإيرانيين بمجرد توقيع الاتفاق. كما يبدو واثقاً من أن دبلوماسيته الجديدة، التي يمكن أن نطلق عليها «دبلوماسية الأعمال»، ستنجح فيما فشل فيه ثمانية رؤساء أميركيين، بمن فيهم ترمب نفسه في ولايته الأولى.

وقال ترمب: «إنهم (أي الإيرانيين) يتفاوضون بذكاء». وربما تقول: «لقد مَرَرْنَا بهذا من قبل، وسمعنا ما يكفي!» ولن تكون مخطئاً.

يُذكر أنه عام 2016، نال كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، جائزة «تشاتام هاوس» المرموقة؛ لدورهما في التفاوض على «الاتفاق النووي الإيراني التاريخي»، الذي جرى توقيعه بين إيران وست قوى عالمية.

وادعى مركز الأبحاث اللندني أن الاتفاق «أنهى العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي المثير للجدل». وأشاد بالرجلين لدورهما في حل «واحدة من أكثر الأزمات الدبلوماسية استعصاءً في الشؤون الدولية في القرن الحادي والعشرين».

وقد تتساءل: لماذا عادت مشكلة كانت قد حُلت قبل عقد من الزمان لتتوسل الحل من جديد؟ وستكون على حق.

السبب أن الجانبين كليهما مارسا ما وصفه رئيس الوزراء الفرنسي الراحل جاك شابان - دلماس بـ«سياسة قلم الحبر»؛ إذ قال في مقابلة: «عندما كنت أواجه مشكلة مستعصية، كنت أستخدم سلاحي السرِّيّ: قلم حبر «ووترمان» خاصتي، وأوقّع للتخلص من المشكلة».

عام 2015، وبعد أن نال جائزة نوبل للسلام حتى قبل أن يُنتخَب، راودت الرئيس باراك أوباما رغبةٌ حثيثةٌ لفعل أي شيء يبرر -ولو جزئياً- هذه الجائزة غير المستحقة قبل مغادرته البيت الأبيض. وهنا، وفَّرتْ له المسألة النووية الإيرانية الفرصة المناسبة لإنجاز ذلك.

كان من شأن عَقْدٍ من الدعاية التي صوَّرت الحكام في طهران على أنهم يبنون قنبلة لبدء نهاية العالم، تحويل مثل هذا الاتفاق إلى فرصة طال انتظارها في الأوساط الدبلوماسية.

فيما يخص أوباما، فإن إعطاء الموافقة النهائية أصبح أسهل، لأن «الاتفاق» الذي وصفته «تشاتام هاوس» بـ«التاريخي»، كان «اتفاقاً غير مكتوب»، مما يعني أن أحداً لم يكن بحاجة إلى توقيع أي شيء؛ وإنما كان مُجَرَّدُ التلويحِ بِظِلِّ قَلَمِ الحبر كافياً.

من ناحيتهم، كان الإيرانيون مدركين أن «الاتفاق» الذي صاغه أوباما لن يكون له أي تأثير على خططهم الطموحة لتوسيع إمبراطوريتهم الثيولوجية-الآيديولوجية إلى أبعد مدى ممكن، ما داموا لم يصطدموا بعائق حقيقي في الطريق. كما كانوا يعلمون أن أوباما لم يستطع، ولن يستطيع، رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن إيماءة أوباما وغض الطرف كانا كافِيَيْنِ للسماح لطهران بجني ما بين 60 و100 مليار دولار سنوياً -الأموال التي تحتاج إليها لدفع رواتب مرتزقتها المنتشرين في دول عدة في الشرق الأوسط.

فَلْنَعُدْ إلى الوضع الحاليّ. أنا أعلم أن التنبؤ بالمستقبل يجب أن يُترك للعرَّافين أو لألفين توفلر وأتباعه من أنصار نظرية «الموجة الثالثة». ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أتنبأ بأن الطرفين سينتهيان إلى استعارة قلم شابان أو أحد أحفاده، ويمنحان «تشاتام هاوس» فرصة أخرى لمنح واحدة من جوائزها «المرموقة»، هذه المرة ربما لعباس عراقجي وستيف ويتكوف، إذا احتفظ بمقعده على طاولة ترمب.

أما القلم المستخدَم هنا، فلن يكون ذهبياً مثل ذاك الذي وضعه نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية، غريب آبادي، بهدوء في جيبه في مسقط، الشهر الماضي. أما ترمب، فلن يحصل على جائزة نوبل للسلام، لأن مجموعة النخبة التي تمنحها تعدُّه العدو رقم واحد.

والآن، وأرجو ألَّا أكون مخطئاً، لماذا يساورني الاعتقاد بأن قلم الحبر يُملأ الآن بالحبر، من أجل «لحظة تاريخية» أخرى لـ«تشاتام هاوس»؟

السبب الأول أن طهران نجحت في اختزال القضية برمتها في مسألة درجة تخصيب اليورانيوم التي يُسمح لإيران بالاحتفاظ بها. وهنا، صرح وزير الخارجية الإيراني بأن: «تخصيب اليورانيوم داخل إيران خطنا الأحمر. وأيُّ اقتراح بحرمان إيران من هذا الحق يعني نهاية المفاوضات».

أما المرشد علي خامنئي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، مُلمِّحاً إلى أن تخصيب اليورانيوم نقطة الخلاف الوحيدة بين طهران وواشنطن. وقال موجهاً حديثه إلى ترمب، الأربعاء الماضي: «سواء خصّبت إيران اليورانيوم أم لا، فهذا ليس من شأنك. مَن تظنُّ نفسَكَ لِتَتَقَدَّمَ بمثل هذا الطلب؟»، وقد تكرَّر مثل هذه النغمة على ألسنة ملالي آخرين.

في الواقع، هذا السيناريو الذي يبنيه المرشد: إقناع الجميع، خصوصاً أبناء الشعب الإيراني، بأن «الشيطان الأكبر» يحاول إغلاق برنامج تخصيب اليورانيوم بالكامل، لكننا نقاوم بقوة وسنُرغمه في النهاية على الاعتراف بحقنا في تخصيب اليورانيوم، ربما ليس بالقدر الذي نرغب فيه، لكن على الأقل حتى نسبة 3 أو 4 في المائة. وبذلك، يمكن الإعلان عن «نصر تاريخي» آخر على «الشيطان الأكبر»، نضيفه إلى سلسلة «الانتصارات الأخيرة» التي يقول المرشد الأعلى إنه حققها في لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن.

وما دام ترمب لا يطرح القضايا الحقيقية، مثل تصدير الثورة، وتمويل الإرهاب، واحتجاز الرهائن، ودعم ما تبقى من الجماعات الإرهابية في أنحاء العالم، وإرسال الطائرات المسيّرة مجاناً إلى روسيا، وبيع النفط الرخيص للصين... فإن الإيرانيين سيواصلون اللعب على وتر تخصيب اليورانيوم الذي لا يحتاجون إليه من الأساس.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ــ أميركا دبلوماسية قلم الحبر إيران ــ أميركا دبلوماسية قلم الحبر



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib