ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية

ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية

المغرب اليوم -

ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمشاركة في قمتي مجموعة السبع وحلف الناتو في وقت لاحق من هذا الشهر، تنشغل الأوساط السياسية ووسائل الإعلام في أوروبا بمحاولة التقليل من شأنه قبل انعقاد الفعاليتين.

في هذا الإطار، قال أحد المعلقين: «سيأتي ترمب خالي الوفاض، بعدما لم يتحقق أي من الأمور التي أعلن عنها بضجة كبيرة». ولجأ معلقون آخرون لاستخدام عبارات مثل «بالون مفرغ من الهواء»، و«غارق في الفوضى التي صنعها بنفسه»، في وصفهم ترمب.

للوهلة الأولى، يبدو في حكم المؤكد أن ترمب بالفعل لم يحرز نجاحاً كبيراً على صلة بأي من الأهداف الدراماتيكية التي أعلن عنها. على سبيل المثال، تعثرت حملته لفرض الرسوم الجمركية، في خضم سلسلة من التراجعات والتقلبات. كما أن مبادرته لإحلال السلام في أوكرانيا، أسفرت عن إذلال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إضافة لوصف ترمب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «مجنون تماماً». أضف إلى ذلك عجزه عن التوصل إلى الاتفاق مع إيران، والذي سبق وأن تفاخر بقدرته على إنجازه في غضون ظهيرة واحدة.

الأسوأ من ذلك أن العشرات من القضاة الأميركيين اصطفوا للوقوف بوجه بعض إجراءاته الدراماتيكية، بما في ذلك الحملة على الهجرة غير الشرعية.

أما حملته لتطهير الجهاز البيروقراطي فقد توقفت هي الأخرى، وتحاول الحكومة الفيدرالية بدأب إعادة توظيف الكثير من العاملين الذين فصلهم إيلون ماسك، باعتبارهم «طفيليات لا تجدي نفعاً».

وعلى صعيد آخر، لا تزال مأساة غزة مستمرة، ويبدو وقف إطلاق النار الموعود بعيد المنال كما كان دوماً. أما القشة التي قصمت ظهر البعير فهي أعمال الشغب التي أشعلها مهاجرون غير شرعيين في لوس أنجليس، ما أدى إلى نشر قوات الحرس الوطني ومشاة البحرية، في خطوة نادرة الحدوث على امتداد التاريخ الأميركي.

حتى على المستوى الشخصي، فإن نجاح ترمب في تأمين عقود تجارية لصالح ممتلكاته، يقابله اشتعال خلاف حاد مع أبرز داعميه إيلون ماسك.

ومع هذا المشهد، تبدو كلمتا ترمب المفضلتان («مذهل» و«رائع») في وصف أول 100 يوم له في المنصب، فارغتين من المعنى.

والآن، ماذا يمكن للمرء أن يستنتجه من كل ذلك؟

في بداية الولاية الثانية لترمب، قلت إن السماء لن تسقط، ونصحت من نظروا إلى الأحداث باعتبارها كارثة نهاية العالم أن يأخذوا نفساً عميقاً، وألا يحكموا على ترمب من خلال ما يقول إنه قد يفعله، بل عليهم أن ينتظروا ليروا ما سيفعله بالفعل.

في ذلك الوقت، بالغ الكثير من منتقدي ترمب في تقدير قوته، بل في تقدير قوة أي رئيس أميركي، وافترضوا أنه يمكنه أن يفعل ما يشاء عبر مرسوم أو أمر تنفيذي. أما هذه المرة، فإنهم ربما قللوا من شأن الولايات المتحدة نفسها، بوصفها القوة العالمية التي لا غنى عنها.

وقد نشأ هذا الالتباس عن أن النموذج الأميركي لا ينسجم بسهولة مع مفاهيم مثل الديمقراطية والجمهورية، فالولايات المتحدة كانت ثمرة تمرد على نظام كان تركيز السلطة فيه يمثل تهديداً بالاستبداد.

ولهذا، فإن الآباء المؤسسين جعلوا الأولوية منع أي شخص أو مؤسسة في الدولة من احتكار السلطة، من خلال نظام للضوابط والتوازنات مستمد من كتابات زينوفون في «سيرة قورش» ومونتسكيو في «روح القوانين».

وعليه، لم يكن بإمكان الولايات المتحدة أن تصبح دولة على نموذج الديمقراطية الأثينية التي كان فيها «الشعب»، والذي كان في حقيقة الأمر أقلية صغيرة من الذكور الأحرار، يستطيع أن يفعل ما يشاء بالسلطة التي اكتسبها عبر الانتخابات.

كما لم يكن بإمكانها أن تصبح جمهورية على نموذج الجمهورية الرومانية أو النسخة الفينيسية الأحدث، حيث تركزت السلطة في أيدي دائرة صغيرة من النبلاء. أشار جورج شولتز مرة، وهو أحد أكثر الساسة الأميركيين حكمة على مدار القرن الماضي، إلى أنه لا توجد معركة سياسية في الولايات المتحدة تُحسم إلى الأبد؛ لا فوزاً ولا خسارة، فالولايات المتحدة أشبه بسفينة ضخمة تسير على مسار حددته قوى غامضة، ولا يمكن تحويلها فجأة إلى مسار آخر، بناءً على رغبة القبطان الحالي أو طاقمه. وحسب شولتز، فإن النظام الأميركي لا يسمح بتغييرات جذرية؛ فالإصلاح فيه لا يمكن أن يكون إلا تدريجياً.

وقد جرى تصميم النظام الأميركي خصيصاً لإبطاء عملية اتخاذ القرار، لتجنب الاستبداد من جهة، والفوضى من جهة أخرى، فالحكومة المثالية، حسب هذا النموذج، هي الحكومة التي لا تفعل شيئاً تقريباً، ما يسمح للأفراد - الذين يشكلون المجتمع - بأن يصوغوا حياتهم ضمن إطار من القوانين التي تكفل الحرية.

أما المفهوم الأساسي في النظام الأميركي، فيتمثل في «الرضا» أو «القبول المجتمعي»، والذي، إذا تحقق، يمكن أن يفتح الباب أمام تغييرات في المسار، وابتكارات، وإصلاحات بالمعنى العميق للكلمة.

كان البناء السياسي هو الذي قاد ترمب ضده «ثورته»، فكان ثمرة رضا بدأ يتشكل مع إصلاحات الرئيس ليندون جونسون، تحت شعار «المجتمع العظيم» (Great Society) واستغرق نحو نصف قرن حتى تبلورت ملامح الوضع الراهن الذي تحداه ترمب.

وجاءت ثورة ترمب نفسها بمثابة ثمرة رضا جديد، تشكّل على مدار عقود، كرد فعل على الوضع الراهن الذي أنشأه الرضا السابق، بكل تجلياته، بما في ذلك: التمييز الإيجابي، والصوابية السياسية، والعولمة، وأخيراً «اليقظوية» (الووكيزم).

ورغم كونه ثمرة تمردٍ مُتنكرٍ في ثوب ثورة، لطالما اتسم المجتمع الأميركي بالتحفظ الشديد على الصعيد السياسي.

وفي بعض الحالات، تأتي السلطة السياسية مصحوبةً بجرعةٍ كبيرة من السمات الشخصية.

لذا، فإن الخيار الأمثل الانتظارُ حتى تُطبق تلك القاعدة الذهبية للتاريخ على ترمب، الذي لا يزال يُمثل رغبةً لدى الكثير من الأميركيين، وربما الأغلبية، في وضع السفينة العملاقة على مسار جديد. وسيُعلمهم الواقع أن النظام الأميركي لا يسمح إلا بتغييرات تدريجية في المسار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية ترمب في الطريق إلى اجتماعات القمة المحورية



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib