المنطقة والحرب وسأم التاريخ

المنطقة والحرب وسأم التاريخ

المغرب اليوم -

المنطقة والحرب وسأم التاريخ

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

العالم كله يرصد ويتتبع الحرب التي اشتعلت في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل، بشكل مباشر لأول مرة، ولئن استطاعت إسرائيل السيطرة على كامل الأجواء الإيرانية عسكرياً، فإن تل أبيب شهدت قصفاً حقيقياً بالصواريخ الإيرانية. لا أحد في العالم يؤيّد إسرائيل سوى أميركا التي تهدّد بالتدخل في هذه الحرب إن لم تستجب إيران إلى مطالبها ومطالب غالب دول العالم بإنهاء برنامجها النووي، ولكن لا أحد مستعدٌ للتدخل من أجل إيران لا من دول العالم الكبرى ولا الصغرى.

قد تكون الحقائق الواقعية على الأرض قاسيةً، ولكن التعامل معها كما هي واجبٌ ومسؤولية حقيقيةٌ، ولا يمكن للخرافات والأوهام أن تُنجي من الحقائق والوقائع، فالعقل هو الحكم الحقيقي لمصالح الدول والشعوب، ودعايات التجنيد في وقت الرخاء والتغاضي لا تنقذ أحداً حين تكون قائداً في لحظات الحرب الساخنة.

على طول التاريخ وعرض الجغرافيا كان البشر يتخاصمون ويتحاربون، فمنتصرٌ ومهزومٌ، وقد تعلّم البشر بأن يديروا حروبهم بطرائق مختلفةٍ تطورت بتطورهم، وكانت بعض الحروب تُخاض على طريقة خسارة المعركة أفضل من خسارة الحرب.

التاريخ الحديث والمعاصر مليء بالنماذج والأمثلة التي تؤكد هذه الفكرة، وأوضحها وأكثرها دلالة على هذا المعنى هي حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي؛ حيث حشدت دول العالم ومعها الدول العربية ودول الخليج وإسرائيل وغيرها من الدول كل إمكاناتها للقضاء على الاتحاد السوفياتي وإضعافه.

مبدأ آيزنهاور في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي كان «الإيمان ضد الإلحاد»، وجرت حرب أفغانستان أو «الجهاد الأفغاني» ضمن هذا المبدأ، وكان الاتحاد السوفياتي لا يعبأ بالأديان بشكل عامٍ، وكان همه نشر الشيوعية، ويقف ضد الأنظمة الرأسمالية حول العالم. قادت أميركا تحالفاً دولياً حقيقياً وعملياً، وكانت الأموال تتدفق من دول عدَّة، ومن مصادرة أموال المخدرات في أميركا والغرب، وكانت الأسلحة السوفياتية تأتي من جهات ومن دول عدة، وتصل إلى «ضياء الحق» في باكستان.

كان تجنيد الشباب للحرب يتم في دول عربية وإسلامية عدة، وكان واضحاً أن هذه المنظومة من التجنيد ستخلق تطرفاً إسلامياً مستقبلاً، وهو ما خرج في تنظيم «القاعدة».

مروّجو الأوهام في منطقتنا سياسياً وثقافياً وإعلامياً ما زالت لهم رايات تسوّقه، وأدواتٌ تزينه، فهم لا يذكرون الحقائق للناس، وإنما يروّجون لديهم ما يشبه الحقيقة وليس حقيقةً، فيكابرون على المعلومات والأرقام والحقائق لتسويق موقفٍ آنيٍّ أو سياسةٍ لحظيةٍ، وهو أمرٌ لا يمت إلى التحليل السياسي أو المنطق العلمي بصلة.

التاريخ لا يُعيد نفسه، ولكن رصد التشابهات بأحداثٍ قريبةٍ ماضية يوقظ الفكر ويدعو إلى التأمل، والشعوب المغيبة عن الواقع بالدعايات السياسية والآيديولوجية لا تستطيع إدراك حقيقة ما يجري في الواقع، ولا معرفة حجم المخاطر حتى تقع الكارثة.

في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر ثمة نموذجان شهيران للدعاية السياسية الكاذبة كذباً أبقع، أولهما هو أحمد سعيد مذيع إذاعة «صوت العرب» المصرية الذي كان يكذب على ملايين المستمعين العرب في لحظة الحرب في 5 يونيو (حزيران) 1967 عبر إذاعته، ويزعم انتصاراً مصرياً كاذباً، في حين أن الهزيمة كانت ساحقةً ماحقةً على الأرض، وهو خطأ النظام السياسي أكثر منه خطأ مذيع، ولكنه التاريخ ورمزياته، حتى تفاجأ العرب جميعاً بالحقيقة.

والآخر هو محمد الصحاف، وزير خارجية وإعلام العراق زمن صدام حسين 2003، الذي كان يدّعي النصر ودحر العلوج حتى آخر لحظة من دخول قوات التحالف والقوات الأميركية إلى بغداد؛ حيث تفاجأ الشعب العراقي والعربي بالهزيمة النكراء التي قضت على نظامٍ سياسيٍّ حكم العراق لعقودٍ من الزمن.

السعودية ودول الخليج العربي رفضت وبشكل قاطعٍ الاعتداءات الإسرائيلية على إيران، الدولة المجاورة التي باتت تربطها بها معاهداتٌ واتفاقياتٌ مع حسن جوارٍ طويل، وهي ترفض هذه الاعتداءات الإسرائيلية، بناءً على موقفٍ ثابتٍ لها في دعم الاستقرار السياسي، ورفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول في المنطقة والعالم.

أخيراً، فكل الأمل أن تنتهي هذه الحرب، وأن تصل المنطقة للاستقرار، وتتجه إلى البناء والتنمية والمستقبل، فقد سئمت المنطقة وسئم التاريخ فيها من المغامرات غير المحسوبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المنطقة والحرب وسأم التاريخ المنطقة والحرب وسأم التاريخ



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 11:26 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

محطات وشخصيات صنعت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:13 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فيليب ستاين تقدم تشكيلة فريدة من أساور "هوريزون"

GMT 03:40 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

طرح عطر متميز بمكون مثير من توقيع Guerlain

GMT 07:25 2014 الإثنين ,17 شباط / فبراير

شركة "SRT" تعرض نسخة خاصة من موديل دودج تشارجر

GMT 00:08 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شجار بين العامري ولكحل والأخير يغيب عن التدريبات

GMT 01:12 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

خبراء يقدمون دليلًا لقضاء العطلة في أنحاء أفريقيا

GMT 09:42 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

فوائد أكل الزبيب على الريق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib