ترمب العودة المظفّرة

ترمب... العودة المظفّرة

المغرب اليوم -

ترمب العودة المظفّرة

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

مَن لا يقرأ التاريخ ولا يستخلص العبر من الأحداث تأسره اللحظات العابرة -مهما طالت- فتعشي بصره، وتعمي بصيرته عن منطق التاريخ، وتتركه يتخبط في التحليلات والمواقف، والحدث الأهم في العالم بأسره قبل بضعة أيام هو انتهاء الانتخابات الأميركية بفوزٍ استثنائي للرئيس المنتخب دونالد ترمب.

باختصارٍ، أرجو ألا يكون مخلّاً، شهدت أميركا تغييرات كبرى في توجهاتها السياسية خلال العقدين الماضيين، كان مرتكزها ومحركها هو التغيير الكبير الذي اكتسح الحزب الديمقراطي وذلك بسيطرة «اليسار الليبرالي» المتطرف على الحزب، وهو «اليسار الليبرالي» الذي انهزم هزيمةً ساحقةً في هذه الانتخابات، وليس الحزب الديمقراطي نفسه بتاريخه الطويل والعريض، وما لم يقف الحزب الديمقراطي وقفة مراجعةٍ جادةٍ، ويتخلّص من هذا التيار ورموزه، وسياساته الداخلية والخارجية، السياسية والاجتماعية، التعليمية والفنية، الإعلامية والفلسفية، التي أضرّت به بالغ الضرر داخلياً ودولياً، فسيكون مصيره مزيداً من التشتت والانقسام.

بعد عهد جورج بوش الابن و«المحافظين الجدد» معه، الذين نشروا الحروب، وأسقطوا دولتين في الشرق الأوسط، هما أفغانستان والعراق، برز تيار اليسار الليبرالي داخل الحزب الديمقراطي، ليُعيد إحياء مقولاتٍ قديمةٍ في السياسة الأميركية، ترفع شعار «الانعزالية» و«الانسحابية» من العالم في عشرينات القرن الماضي، وبدلاً من إسقاط دولتين فقط في الشرق الأوسط، سعت إدارة أوباما لإسقاط عدد كبيرٍ من الدول العربية، ونجحت في إسقاط النظام في تونس ومصر وليبيا واليمن، وفشلت فشلاً ذريعاً في البحرين.

كانت فترة ترمب الرئاسية الأولى ردّاً تاريخياً صريحاً على تطرف اليسار الليبرالي والسياسات «الأوبامية» في فترتين رئاسيتين ضعفت فيهما أميركا، واحتلت فيهما روسيا القرم وشرق أوكرانيا، وتخلّت عن حلفائها، فكانت مخرجاتها السياسية خسائر فادحةٍ في عالم السياسة، حتى تلك التي تفاخر بها، مثل «الاتفاق النووي» مع إيران، ولم تختلف الفترة الحالية عن الفترة الأوبامية، بل هي امتداد لها في مزيدٍ من الخسائر، والانسحاب السريع الذي يُشبه الهزيمة من أفغانستان هو لضمان أن تبقى أفغانستان ملجأ لكل إرهابيي العالم مستقبلاً.

بتحالفه السياسي العميق مع السعودية، واختيارها وجهته الخارجية الأولى بعد فوزه في ولايته الأولى، أعاد السياسة الأميركية إلى طبيعتها، فأعاد توثيق العلاقات مع الحلفاء، وأوقف الخصوم عن أي مزايدةٍ تضرّ بمصالح أميركا أو العالم، فكان سياسياً محنكاً، على الرغم من كل دعايات اليسار الليبرالي المتطرف ضده.

عاد ترمب وعادت معه الآمال، داخل أميركا وخارجها، للتخلُّص من هذا اليسار الليبرالي المتطرف، وطروحاته بالغة الضرر سياسياً على أميركا وحلفائها، وبالغة الشناعة اجتماعياً في دعم «ديكتاتورية الشذوذ الجنسي» في الفن والإعلام والتعليم، بل في إجراء العمليات الجراحية الخطيرة لتحويل جنس الأطفال الصغار حتى دون إذن والديهم، وهذا غاية ما يكون من الديكتاتورية.

ضعف سياسات اليسار الليبرالي أضر كثيراً بأميركا ومصالحها، كما طال ضرره العالم بأسره، فقد أصبح العالم على شفا حربٍ نووية حقيقيةٍ؛ انطلاقاً من أوكرانيا، وأصبح مفكرو الأمن القومي الأميركي يعتمدون القص واللصق من مفكرين سابقين وسياساتٍ قديمةٍ دون وعيٍ بالمتغيرات الكبرى، كما ضربت سياساتهم الثقة بأميركا بين الحلفاء التقليديين في أوروبا والشرق الأوسط والعالم، وهو ما أدى بكل الحلفاء للبحث عن تحالفاتٍ متوازنة مع القوى الكبرى في العالم، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهذه خسارة كبرى لأميركا، واضطر بعض أقرب الحلفاء، مثل إسرائيل، لأخذ زمام المبادرة وتصفية المخاطر المحدقة بها، على الرغم من تردد سياسات اليسار الليبرالي ودفعه دفعاً لدعم توجهات إسرائيل الجديدة.

استطاعت إسرائيل مواجهة كل أذرع إيران التي سمح لها اليسار الليبرالي الأميركي بالتوسع، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بل قدّم لها الدعم بطرقٍ مختلفةٍ؛ بعضها معلنٌ وبعضها سريٌ، ومَنَع وقيّد قدرات دول المنطقة على مواجهتها عبر قراراتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ تضعف الحلفاء وتقوي الخصوم، وقد كانت فترة الرئيس ترمب الأولى محاولةً لإنقاذ العالم من تلك السياسات، فهو مَن اتخذ قرار القضاء على الإرهاب في المنطقة.

أخيراً، فداعمو سياسات أوباما في مرحلتيه الرئاسيتين، وداعمو سياسات بايدن، من الكُتاب والمحللين العرب يجب أن توضع تحليلاتهم على المحك، وأن يتحملوا تبعات كل ذلك الانجراف خلف اليسار الليبرالي المشؤوم، لا أن يطووا صفحةً ويفتحوا أخرى بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب العودة المظفّرة ترمب العودة المظفّرة



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:17 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

آرسنال يحسم مصير كارلو أنشيلوتي مع ريال مدريد

GMT 14:25 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

أتلتيكو مدريد يمدد شراكته مع نايكي حتى عام 2035

GMT 22:51 2025 الجمعة ,21 آذار/ مارس

"غوغل" تقاضي شبكة محتالين بسبب "خرائط غوغل"

GMT 18:22 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

"الأسود" يشدون الرحال إلى مدينة وجدة

GMT 16:24 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

الجيش الملكي يواجه بيراميدز في ربع النهائي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib