التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

المغرب اليوم -

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

ليس استنتاجاً جديداً لو قلنا إن مسار التنمية في بلداننا العربية لم يكن في الطريق الصحيحة ولم يخضع لرؤية شاملة دقيقة. وهذا الأمر اعترفت به غالبية الدول من خلال تغيير منوال التنمية وسلك مناهج مختلفة في المخططات المتتالية.
من أهم نقاط ضعف مسارات التنمية التي انتُهجت بعد استقلال بلداننا، هي التركيز على المركز أي العاصمة والمناطق الساحليّة الجاذبة للسياح، في حين أن الأرياف والمناطق التي ليس فيها بحر وغير ذلك، ظلت مهمشة في الميزانيات المرصودة وفي المشاريع المنجزة.
هذا النهج العفوي الحديث العهد بالاستقلال آنذاك، كانت غايته تحديث البلاد وبناء مؤسسات ومرافق في المحافظات القادرة على لعب دور مهم في الاقتصاد والتنمية.
ولكن هذه القراءة أثبت التاريخ أنها منقوصة، وأنها سبب الاحتقان الاجتماعي، إذ إن المناطق التي تعرضت للتهميش ظلت في الظل وخلق ذلك شعورا حادا بالحيف توارثته الأجيال. كما أن مشكلة التمييز غير الإيجابي بين الجهات والمناطق في البلد الواحد أنه ينتج فتوراً في الانتماء إلى الوطن. لذلك؛ فإن شبكات التكفير والإرهاب استثمرت في الجهات المهملة اقتصادياً التي عرفت إقصاءً في السياسات التنموية، وقامت الجماعات الإرهابية بتوظيف شبابها المحتقن والباحث عن الاعتراف وغررت به.
إذن، نتائج التوزيع الظالم للثروات ليست هينة وتنطوي على تكلفة باهظة جداً لا مفر من أن يدفعها الجميع آجلاً. بل إن الجهات التي عرفت تمييزاً إيجابياً واستأثرت بميزانية الاستثمار كثيراً ما تدفع هي التكلفة بشكل مضاعف؛ إذ إن الإرهاب يضرب السياحة ويضرب العملة المالية الوطنية ويلحق ضرراً بالميزانية ومواردها التي تعرف شحاً وصعوبات تراجع مداخيل قطاع حيوي.
لذلك؛ فإن أي إصلاح اليوم أو معالجة لمسار التنمية لا بد من أن يضعا المناطق المحرومة سابقاً في صدارة الاهتمام، وأن تُخصص لها المشاريع الكفيلة بجعلها تتدارك تأخرها مقارنة ببقية الجهات. فكما رفعت الخطة الأممية للتنمية المستدامة شعار «لا أحد خلف الركب»، فإن هذا الهدف العالمي يحتاج إلى تجسيد في مستويات ما قبلية، أي أن كل بلد يجب أن يختبر هذا الشعار في داخله ويحدد من الذي ما زال خلف الركب حتى لو كان كل البلد خلف الركب؛ إذ العبرة ليست في أن تكون مع الركب فقط، بل أيضاً في تحديد المسافات التي تفصل البعيدين عن الركب من منطلق كون المسافات مختلفة.
ومثلما هناك مؤشرات من خلالها تتم عملية قياس بُعدك أو قربك من الركب، فإن كل دولة مطالبة بتحديد مؤشرات قياس تضعها طبقاً لواقعها وإمكاناتها وبها تحدد ما يجب أن تقوم به نحو المناطق المهمشة.
اليوم، بالذات، لا أحد يقبل التهميش. العالم تغير وتكاثرت قنوات التعبير والرفض والاحتجاج. الجميع يريد حظه ونصيبه من ثروات بلده كاملاً. ولا مفر من ممارسة سياسة التمييز الإيجابي إزاء من كانوا ضحايا التهميش وقضوا عقوداً في الظل وخارج الحسابات، بل إن من مصلحة الجهات والمناطق التي كانت تحظى بالأولوية أن يتم تدارك حال المناطق الأخرى، وهذا هو المعنى الجوهري والصحيح للسلم الاجتماعي.
كما أن المواطنة ذاتها تفرض ذلك ولا يمكن الحديث عن المواطنة بالمعنى العميق للكلمة إلا بالمساواة بين الجميع، وأهم مظاهر المساواة التوزيع العادل للثروات. من هنا ندرك لماذا التمييز الإيجابي لا بد منه حتى يتساوى الجميع في الخدمات والمرافق والفرص. فالتمييز الإيجابي هو نتيجة حتمية للتمييز السلبي سابقاً. ولا يمكن التقدم في الديمقراطية والانطلاق في الإصلاح من دون حل مشكلة التنمية العرجاء وتدارك أمر جهات عانت من الإقصاء. وهكذا يمكن التأسيس للمستقبل بعيداً عن القنابل المدفونة تحت التراب التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. وهو ما يعني أن الديمقراطية والتنمية شيء واحد، بمعنى أن التنمية العادلة والمساواة في توزيع الثروات هما أساس الاستقرار والبناء وصنع التراكم، ومن دون ذلك ستظل أي خطوة نحو الديمقراطية هشة ومحفوفة بالمخاطر.
هناك ما يستحق بذل الجهد ومضاعفته وحانت مرحلة النضال من أجل توزيع عادل للثروات بين جميع جهات البلد الواحد وكل المواطنين. وباعتبار أن الدولة لا تستطيع اليوم الاستئثار بمهمة التنمية وأن القطاع الخاص يمكن التعويل عليه لمعاضدة جهود مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية، فإن التمييز الإيجابي يقتضي أيضاً تحفيز الجميع وألا يقتصر الجهد على الدولة دون سواها.
إن أي جهة لم تحظَ بحقها في الاستثمار والبنية التحتية والخدمات حتى لو كانت أصغر نقطة في كل الوطن، فإنها تعدّ مصدر تهديد مفتوح الأجل الزمنى في رد الفعل. لذلك؛ فإن الحكمة وتراكم التجارب في العالم وجدية الإصلاح... كل هذا يحتم أن يكون التمييز الإيجابي إزاء الجهات التي عانت من الإقصاء تعويضاً لها وتأسيساً قوياً للمستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التمييز الإيجابي لتدارك الحيف التمييز الإيجابي لتدارك الحيف



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية

GMT 14:41 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

تصرفات عقارات دبي تربح 3.43 مليار درهم في أسبوع

GMT 16:21 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الملفوف " الكرنب" لحالات السمنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib