كيف تفهم الولايات المتحدة المصلحة

كيف تفهم الولايات المتحدة المصلحة؟

المغرب اليوم -

كيف تفهم الولايات المتحدة المصلحة

د. آمال موسى
د. آمال موسى

من حق كل دولة أن تدافعَ عن مصالحها. بل يمكن تأكيد هذا الحق بالقول إنّه من واجب كل دولة أن تحافظ على مصالحها وأولوياتها وما يعود بالنفع على شعبها.هذا الكلام لا يمكن أن يعارضه عاقل. ولكن أظنُّ أنَّ المعارضات تكثر والاختلافات تتنامى عندما يكون الخلاف حول مفهوم المصلحة ذاته حيث إن أي قصور في فهم ما يمثل المصلحة قد يؤدي إلى ضرب تلك المصلحة، ومن ثم يحصل أن تهدد دولة ما مصالحها وهي تعتقد أنها تروج لحمايتها.

إنَّ حديث الرئيس الأميركي جو بايدن عن كون ليس من مصلحة الولايات المتحدة البقاء في أفغانستان والقتال هناك، باعتبار أن هدفها لم يكن بناء دولة بل مطاردة «القاعدة»، مضيفاً أنَّه لا يمكن تكرار أخطاء الماضي، قد قادنا إلى التفكر فيما يُعتقد أنه مصلحة. إلى جانب مسألة أخرى نراها مهمة جداً بالنسبة إلى دولة هي أقوى دولة في العالم، وتدير هذا المجتمع الدولي، تتمثل في كيفية صياغة خطاب الدفاع عن المصالح.

يبدو لنا أن خطاب الرئيس بايدن، والتبريرات التي قدمها لتفسير خروجه المفاجئ من أفغانستان، وما نقلته صور المغادرة من تخلٍّ عن الأفغان بعد أن تم توظيف بلادهم وأرضهم وثرواتهم في حرب انتقام الولايات المتحدة من تنظيم «القاعدة»... فالموقف وتبريراته قد ضرب مصالح الولايات المتحدة. ولا ننسى أن المصالح فيها المادي الملموس وفيها الرمزي المهم أيضاً، حيث إن أقوى دولة في العالم لها مصلحة الصورة أيضاً، والقوة هي أولاً وأساساً صورة تُسوق، وقد فعلت هذا الولايات المتحدة في مرحلة الستينات والسبعينات والثمانينات ولم ينجُ حتى الأطفال من صور القوة التي كانت تنشرها في الرسوم المتحركة، وكم من الأطفال ذهبوا ضحية أبطال الرسوم المتحركة الأميركية الثقافة وهم يحاولون تقليدهم.

الملاحَظ أنه منذ اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تغيرت أشياء كثيرة في السياسة والاتصال الأميركيين. وتم إهمال فكرة أنها أقوى دولة في العالم من دون أن تتخلى سلوكياً عن هذه الفكرة.

لنوضح أكثر: إن تخلي الولايات المتحدة بتلك الطريقة القاسية، التي أكدت فيها للأفغان أن أمرهم وأمر بلادهم لا يعنيها، تاركةً مصيرهم بيد حركة «طالبان»، إضافةً إلى ما أنتجه ذلك من استياء كبير وصدمة في العالم... إنما هذا السلوك يتعارض مع صورة أقوى دولة في العالم. ولعل ما تكابده النساء والبنات في أفغانستان حالياً يشكّل تخلياً لا يليق بصورة أميركا التي لطالما حاولت إقناع العالم بأن الحقوق والديمقراطية من الخطوط الحمراء.

كما أن الحديث المباشر عن الهدف وراء وجودها في أفغانستان لعقدين كاملين فيه مساس أخلاقي بصورة الولايات المتحدة، حيث هناك اعتراف بتوظيف دولة وشعب لمدة عشرين عاماً من أجل ملاحقة تنظيم قام بالاعتداء على أميركا. طبعاً هذا معروف، ولكن على امتداد هذين العقدين كانت الولايات المتحدة تسوّق لأفكار أخرى وهي أنها تحارب الإرهاب، وتريد أن تقضي عليه فكانت النتيجة أنها تركت أفغانستان في وقت حرج.
أيضاً هل يحق لأقوى دولة في العالم أن ترتكب أخطاء في العالم؟

لقد تضمنت ردود الرئيس بايدن على المستائين من تخليه عن الشعب الأفغاني وتسليم البلاد لحركة «طالبان»، إشارة واضحة وصريحة قال فيها إنَّ بلاده لن تكرر أخطاء الماضي. إذن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، هي أخطاء ومعظم هذه الأخطاء ارتُكبت في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

نعتقد أن الوقوع في الخطأ، خصوصاً تكرار الخطأ إلى درجة يصبح فيها الحديث عن أخطاء، يمس أيضاً صورة أقوى دولة في العالم، لأن صورة القوة تقتضي النجاح في إدارة العالم ومن دون ذلك تتلاشى القوة لصالح صورة الخطأ والفشل.

لقد روّج منظّرو السياسة الأميركية وعلى رأسهم فوكوياما لفكرة أن مرحلة الأنظمة الشمولية قد انتهت، وبناءً على توصيات مفكري البيت الأبيض والسياسات الأميركية بدأت الأوامر الداعية إلى الإصلاح السياسي وفرض المشاركة السياسية التعددية وفتح المجال الرقمي والإنترنت للشعوب. كانت هذه الأفكار تبشّر بعالم تسوده الديمقراطية وحقوق الإنسان وهناك من الدول من قَبِلَ بالديمقراطية عن طريق القوة والوصاية الأميركية. ولكن التجارب العديدة أو كما سماها الرئيس الأميركي «الأخطاء» كلها أظهرت فشلاً، وكيف أن البلدان التي استهدفتها الولايات المتحدة قد غادرتها وهي في حالة أزمة وتناحر، ولنا في العراق وليبيا وأفغانستان أمثلة قويّة.

ولعل هذه التجارب الأميركية تقودنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة: هل هدف الولايات المتحدة الأميركية هو زرع الفوضى التي كانت تعتقد أنها خلاقة، فإذا بها مدمرة للبلدان وللشعوب، أم أنّها كانت معنية بنشر الديمقراطية وردم الهوة بين البلدان الديمقراطية المتقدمة والأخرى الشموليّة؟ وإلى أي مدى كانت حرب الولايات المتحدة فعلاً على الإرهاب وكيف هي أبعاد علاقة أكبر دولة في العالم بالإرهاب؟

نطرح هذه الأسئلة لأننا أمام أزمة حقيقية في إدارة العالم، وفي فهم أن من يريد إدارة العالم فإنَّ مصالح العالم هي جزء من مصالحه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تفهم الولايات المتحدة المصلحة كيف تفهم الولايات المتحدة المصلحة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib