كيف سينظر العالم في عيون أطفاله

كيف سينظر العالم في عيون أطفاله؟

المغرب اليوم -

كيف سينظر العالم في عيون أطفاله

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

العالم فعلاً في مأزق أخلاقي حقيقي لم يعش مثله من تاريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومجزرة صبرا وشتيلا. بل إنه علاوة على ذلك بعد جريمة مستشفى المعمداني لن يكون سهلاً مستقبلاً الحديث عن حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، ومناهضة العنف ضد النساء.
 

الأطفال يرتجفون ويموتون بأبشع الصور. ما حصل يتجاوز جغرافيته ولحظته ويُجبر الجميع على الإدانة، لأن عالماً يقبل بقتل الأطفال والمدنيين والنساء هو عالم فاقد لكل شيء.

إن ما حصل في غزة من تقتيل من أجل تهجير الفلسطينيين هو ضرب في العمق لكل المجهودات المتراكمة في مجال النضال من أجل حقوق الإنسان والطفولة والنساء. لذلك فإن الدمار أكبر مما نرى رغم فداحته.

هناك مشكل حقيقي: كيف سينظر العالم في عيون أطفاله؟ وما نفع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وبروتوكولاتها؟ هل من الممكن الحديث بثقة وبرأس مرفوعة عن حقوق الطفل بعد مشاهد التنكيل بالأطفال الفلسطينيين؟

لا أحد يستطيع أن يقلل من بشاعة مجزرة مستشفى المعمداني، ولا أحد يستطيع أن يبرر معنى أن تُجرى حالياً العمليات الجراحية من دون تخدير.

ما حصل يوم الثلاثاء الماضي أطاح بخطابات العالم حول الحقوق والمساواة والمدنيين والتنمية والحريات... لقد وضعت إسرائيل العالم في عنق زجاجة وأعادته إلى زمن تهجير الشعوب واستباحة دم وأرواح النساء والأطفال، وكتبت صفحة سوداء أكثر من سواد سابق في تاريخ البشرية وفي العصر الذي يتشدق بحقوق الإنسان.

ما حصل ويحصل في غزة وضع كل من له ضمير في ورطة أخلاقية، وبعثر الأوراق بشكل يؤكد أن ما قبل مجزرة مستشفى المعمداني ليس هو ما سيكون بعدها في الأبعاد كافة. كما أن مهمة الحقوقيين في العالم ستتضاعف صعوبتها آلاف المرات، لأن زعماء الخطاب الحقوقي يمارسون ازدواجية المعايير التي تضرب كل المصداقية.

يحتاج كل صاحب أطروحة إلى الحد الأدنى من المصداقية أو على الأقل التظاهر بمصداقية ما يتم الترويج له. وأي ممارسة لسياسة الكيل بمكيالين، واعتماد معايير ليست نفسها على الجميع فإنه يطيح بكل شيء، وكأن الذين كانوا يُنظرون لحقوق الإنسان والحريات كانوا يحرثون في البحر.

من ناحية ثانية، وعلاوة على ضرب مبادئ الخطاب العالمي حول حقوق الإنسان ومقولة لا أحد خلف الركب، فإن تلقي مثل هذا الخطاب والرسائل والمبادئ لن يجد الأذن الصاغية. ولعل الأخطر هو أن المواقف القائمة على ازدواجية المعايير إنما تصنع الشعور بالقهر لدى الشعوب، وهو شعور يمثل الخزان الفعلي للعنف والإرهاب ولعدم استقرار العالم.

المشكلة أن العالم الموصوف بالقوي لم يفهم بعد أن أمن العالم وأمن الأقوياء مرتبط بأمن الجميع والعدالة وبالمعايير الموحدة لا ازدواجية المعايير.

إننا في لحظة مفصلية كاشفة ومؤكد أنها ستكون لحظة تتبعها تغييرات معمقة، لأن العالم يعيش امتحاناً يبدو فيه الفشل هو النتيجة. وطبعاً يعني الفشل استئناف النضال، واستئناف إعادة ترتيب المنهجية والمبادئ، والتفكير في آليات أكثر جدوى وأكثر حماية للمنجز الإنساني.

لقد تغير العالم وتغيرت حاجات الإنسان، ولكن على مستوى الصراعات والعلاقات لم يتغير شيء، لذلك نجد أنفسنا دائماً في النقطة الصفر.

وليس مبالغة القول إن جريمة المستشفى وقتل الأبرياء وما شهدناه من دموع أطفال وخوف ورعب وما يحصل من محاولات تهجير بشعة، لا تعترف لا بالقوانين الدولية ولا بأدنى المبادئ الإنسانية؛ إنما نتجت عنه أزمة حقيقية لدى الجميع سواء أكانت دولاً ونخباً ومنظمات.

لذلك، وبعد كل الأرواح التي ذهبت غدراً لا بد من مقاربة جديدة للقضية الفلسطينية وللحق الفلسطيني، ولا مفر إذا كان العالم يبحث حقاً عن السلام والحد الأدنى منه من كسب هذا التحدي، لأن الاستمرار في إدارة الحق الفلسطيني وفق ازدواجية المعايير لن يمكن العالم كله من تحقيق أي تقدم حقيقي في مجال البناء والتأسيس، لأن مثل هذه الممارسات تطيح بكل شيء وتعيدنا كما أسلفنا الذكر إلى نقطة الصفر، وتخلق الريبة والتشكيك في كل المقولات الكبرى الأممية التي تتنافس البلدان من أجل الرفع في مؤشرات إنجازها.

حانت اللحظة التاريخية لإيجاد حلول نهائية لقضية مثلت مورد ظهور لأزمات كثيرة ولاحتقان نفسي سياسي ما فتئ يكبر. من المهم أن يفهم العالم أن لا أمن في منطقة الشرق الأوسط ولا استقرار وحال القضية الفلسطينية على ما هي عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف سينظر العالم في عيون أطفاله كيف سينظر العالم في عيون أطفاله



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib