الحل بالتعويل على الذات

الحل بالتعويل على الذات

المغرب اليوم -

الحل بالتعويل على الذات

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

صحيح أن العالم أصبح قرية ومتشابك الروافد والتبادلات، ولا يمكن لأي دولة مهما كانت غنية وقوية أن تستغني عن كل العالم وتعيش في انغلاق وعزلة.

بل إنه لا شك أن العلاقات بين الدول مهمة للغاية للتبادل في مجال الخبرات والتجارة والثقافة، وغير ذلك من آفاق التعاون والتفاعلية.

ولكن إلى جانب ذلك، فإن هذه الفكرة التي سمحت بتأويلات شتى لا يمكن أن تفند حقيقة مركزية تتمثل في أن التعويل على الذات هو الأصل والجوهر والأساس، والانفتاح والأخذ من الغير والتبادل معه هي تندرج في بوابة الإثراء. فالذي ينطبق على الفرد الواحد ينطبق أيضاً على الشعوب والدول؛ التعويل على الذات طريق للنجاح، ولن يساعدك أحد إلا إذا عوّلت على ذاتك، واكتسبت جدارة الدعم.

هذه الديباجة أردناها مدخلاً للحديث عن ضرورة تعويل العالم العربي والمجتمعات العربية على نفسها، ولا تغتر بشعارات عالمية لا تثبت صدقيتها إلا مع الأقوياء والأغنياء.

ويكفي في هذا الصدد أن نعاين وضع أهالي غزة، وما يحدث للأطفال والنساء، وكيف يموت الأطفال الفلسطينيون العرب أمام أنظار الجميع، وإسرائيل غير عابئة بكل التنديدات، ومواصلة في عربدتها وتهديداتها، ووصل بها الأمر إلى أن تعلن أنها ستتكفل بتوزيع المساعدات للفلسطينيين؛ أي أن الذين يقتلون الأطفال والنساء وأوجعوا الأسر في فلذات أكبادهم، وقضوا على أسر عدة، هم من سيتكفلون بتوزيع المساعدات الإنسانية!

إنه منتهى الاستفزاز للعالم العربي ومنتهى الاستقواء.

ورأينا أيضاً من خلال تجربة الحرب على غزة كيف أن المنظمات الأممية مهما كانت «أممية» فإنها في الملف الإسرائيلي ليست ذات نفوذ، ولا يمكن التعويل عليها لنصرة أهم قضية في العالم العربي وهي القضية الفلسطينية.

من المهم وضع النقاط على الحروف، وربط الفكرة بأخرى، حيث إن الفكرة الأولى هي أن القضية الفلسطينية مرتبطة بكل واقع العالم العربي، وهي المحرار الذي من خلاله يحدد العالم علاقته بنا ومدى دعمه لنا. وتتمثل الفكرة الثانية في أن الرهان على أطراف معينة لن يجدي نفعاً؛ لأن موازين القوى تخضع إلى هيمنة إسرائيل والداعمين لها في الأخطاء والجرائم، وهو دعم ليس لغوياً وشعاراتياً، بل هو دعم تُستخدم فيه الآليات الدولية للعقاب.

إذن، من عقود والدرس نفسه يتكرر بطرق شتى. تجارب عدة والخلاصة واحدة: لا بد من التعويل على الذات وامتلاك أسباب القوة لكي يحسب العالم لكل قطرة دم عربية ألف حساب.

مر الآن نحو ربع قرن ونحن في هذه الألفية الجديدة والأوضاع في تراجع، خاصة ترابطها مع تداعيات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق، فإن اللحظة التي يعرفها العالم العربي والتي تتميز بالتعقيد الشديد في حاجة إلى تقييم تاريخي موضوعي، وعقلاني، وشجاع، وصريح.

هناك غياب لبوصلة وتصور لأنفسنا وفهم لمعوقاتنا، ولن نصنع هذا الفهم ونبلغه دفعة واحدة، ولكن بالإمكان مسك رأس الخيط والانطلاق منه، خاصة أن هذا الخيط المتمثل في التعويل على الذات يمثل في حد ذاته مساراً تتخلله إضاءات تجعل من الرؤية أكثر صفاء على مراحل.

لذلك، فإن التركيز على فكرة التعويل على الذات مسألة مهمة جداً لاستحثاث قدرات الذات وإمكانياتها والانطلاق في تحقيق الذات. ولعل الرهان على ما وهبتنا إياه الطبيعة، إضافة إلى العمل على ضمان الأمن الغذائي وإيلاء الرأسمال البشري مكانته العليا... كل هذا يمثل الأضلاع الأساسية لبلوغ هدف التعويل.

إن التعويل على الذات خلاصةُ تجارب متراكمة، وهو أيضاً ثقافة ونمط حياة. وليست مبالغة إذا قلنا إنه أول دروس الطبيعة للإنسان، وأول دروس الغابة التي تشبه العالم إلى حد كبير. ففي الغابة كل الكائنات الحيّة تعول على ذواتها، ولكل كائن سر من أسرار القوة.

إن الجولة الأولى في معركة التعويل على الذات هي كسب رهان القوت وعدم الحاجة، وقدرة كل دولة على تأمين الغذاء لشعبها. فعلاً السيادة تبدأ من قتل غول الجوع.

ولا يفوتنا أن مجتمعاتنا في حاجة إلى رتق العلاقة بالعمل والتعاطي معه بوصفه قيمة مقدسة، وأن التقدم السليم وتحقيق الذات، بوصفنا مجتمعات، لا يكونان بالكسل والتراخي، وإنما ببذل الجهد والإبداع. فالمجتمعات التي تعمل وتكدّ لا مشكلة لها في إيجاد الحلول، ولا في مواجهة الصعاب.

إننا فعلاً في حاجة إلى التعويل على الذات، أفراداً وشعوباً ودولاً، وفي حاجة أكبر إلى نقل ثقافة التعويل على الذات إلى الأجيال القادمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحل بالتعويل على الذات الحل بالتعويل على الذات



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أحلام تتألق بإطلالة ملكية فاخرة باللون البنفسجي في حفلها بموسم جدة

جدة - المغرب اليوم

GMT 01:04 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروب "كافي توبا" الحلال يحارب بطالة السنغال

GMT 17:36 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

التراس الرجاء البيضاوي تهاجم سعيد حسبان وتصفه بالخبيث

GMT 15:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الفيلا صديقة البيئة المكان المناسب لقضاء العطلة

GMT 09:02 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مليون زهرة شتوية تزين شوارع عنيزة في المملكة السعودية

GMT 03:18 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

عرض الفيلم المغربي "عمي" خلال مهرجان "مشاهد عربية" في واشنطن

GMT 06:35 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين "أرامكو" و"غانفور" لشراء فرضة "ماسفلاكت" للنفط

GMT 19:03 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

الوداد ينجّح في رفع عقوبة المنع من الفيفا

GMT 21:37 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يرتفع بدعم من ارتفاع الطلب وشح الإمدادات بأميركا

GMT 20:54 2023 الخميس ,18 أيار / مايو

البيض يتوقع الفائز بدوري أبطال أوروبا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib