هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد؟

المغرب اليوم -

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

هيمن الاهتمامُ بالفرد، وأهملنا في مقابل ذلك، ما عرفته وتعرفه الأسرة كمؤسسة بالمعنى الاجتماعي والرمزي للكلمة والمفهوم، من تراجع في المكانة والأدوار وفي الخصائص.

من المهم التذكير بأنَّ الأسرة هي الوحدة الرئيسية في البناء الاجتماعي العام، وأنَّها الخلية الأولى للجسد الاجتماعي. ومن المهم أيضاً التذكير بأنَّ ما يسمى وظيفة التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد ومن خلالها تنقل له الرموز والثقافة وطريقة العيش ونماذج التصنيف والقيم... إلى الفرد. وبالحديث عن وظيفة التنشئة الاجتماعية اللازمة كي ينتقل الفرد الإنسان من طور الطبيعة إلى طور الثقافة، فإننا نقر ضمنياً وبصريح العبارة بأن الأسرة هي مؤسسة لا غنى للإنسان عنها بالمعنى الوظيفي المحض.
طبعاً لا شك أن فلسفة الحداثة ذاتها، القائمة على إعلاء شأن الفرد والدفاع عنه ضد حتمية المؤسسات الاجتماعية وهيمنتها، قد مثلت أول ضربة تاريخية في مكانة الأسرة. كما أن هذه الضربة كانت على مراحل ولا تزال تعتمد نفس التقنية؛ أي المرحلية. وهذه مسألة مفهومة جداً لأنَّ التغيير الثقافي بشكل خاص يحتاج إلى زمن. ويمكن الاستنتاج أنَّ تراجع الأسرة والتحولات التي عرفتها شكلاً ووظائف ومكانة، إنما هي نجد صداها ومظاهرها في عملية الانتقال من المجتمع التقليدي ذي الهياكل التقليدية إلى مجتمع حداثي. بمعنى آخر، فإنَّ الأسرة ارتبطت بالبناء التقليدي التاريخي للمجتمع واستمرار مؤسسة الأسرة كان مرفوقاً بتحولات شتى عرفتها الأسرة، حيث إن ما عرفه الفرد من تنامٍ لدوره ومكانته واستقلاليته ولعلاقته بالمؤسسات وموقعه في الفعل الاجتماعي... كل هذا أدَّى آلياً إلى تراجع متعدد الأبعاد في مؤسسة الأسرة، وذلك من منطلق أن ما تحصّل عليه الفرد هو في جزء وافر منه كان من رصيد الأسرة. وهنا يمكن أن نقيس ما شاب الاجتماعي من تغييرات بتنامي ظاهرة الفردانية التي أثرت على العملية الاجتماعية ككل، وكان أول من بدأ يفكر في هذا الانقلاب الاجتماعي هو عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، من خلال نظرية الفعل الاجتماعي وتناول مفهوم الفاعل الاجتماعي، بعد أن كانت الأدبيات السوسيولوجية تستعمل مفهوم العون الاجتماعي. فالانتقال من زمنية العون الاجتماعي إلى زمنية الفاعل الاجتماعي حتَّم تغيراً في المواقع والمراتب والصراع على الهيمنة.
إذن الحداثة كمنظمة قيم تنتصر للفرد واستقلاليته عن الأطر الاجتماعية وحريته، إضافة إلى أن عملية الكسر المتراكم للعلاقات العمودية النسق والقيم والعلاقات مثلت في الحقيقة عامل إرباك نتج عنه مخاض طويل بطيء تختلف شدته من مجتمع إلى آخر ومن فضاء ثقافي اجتماعي إلى آخر. وفي هذا السياق، من المهم التمييز بين واقع الأسرة في الفضاء الأوروبي والغربي عموماً، وفي الفضاء العربي والإسلامي باعتبار أنَّ الأسرة في الفضاء العربي والإسلامي لا تزال تحظى بمخيال إيجابي، وتمثل مصدراً وجدانياً واجتماعياً رغم كل التغييرات الحاصلة التي تجعلها رغم أهميتها تعرف هزات وصدمات. أما في الفضاء الأوروبي فإنَّ حالة التّهرم السكاني ذاتها تعني من بين ما تعنيه تراجع نسب الإنجاب وتكوين الأسر.
طبعاً المجتمعات العربية في غالبيتها ما زالت مشدودة إلى مؤسسة الأسرة، ولكن من الخطأ أن نتصور أنّها صامدة بشكل كامل، بل إنّه إلى جانب ما طرأ على مجتمعاتنا من تغييرات هي نتاج خطوات التحديث، فإنَّ الارتباكات الاقتصادية العالمية وفي المنطقة العربية وتوالي الأحداث، بدءاً بحرب الخليج، ثم ما سمي الربيع العربي، وصولاً إلى جائحة الـ«كوفيد- 19» قد ألقت بظلالها على واقع الأسرة وراكمت أمامها الصعوبات. بمعنى آخر، فإن التداعيات الاقتصاديّة للأحداث قد أنتجت مجموعة من التوترات متعددة الأبعاد داخل الأسرة، ويتمظهر ذلك في ارتفاع حالات الطلاق وتزايد ظواهر العنف داخل الفضاء الأسريّ وتدهور القدرة الشرائيّة.
إنّ مؤسسة الأسرة تعرف في الوقت الرّاهن تهديدات ثقافيّة وماديّة اقتصاديّة متشابكة تُؤثر سلباً على وظيفتها التّاريخيّة وتنتج ظواهر تهدد استقرار المجتمع ومستقبله، خصوصاً فيما يتعلق بالعزوف عن الزواج أو إهمال الأبناء، وما يمثله الطلاق ذاته من حالة تهديد للطفل، وشعور بالفشل لدى الزوجين ومن تفكك أسري ومجتمعي.
المؤكد أنَّ الأسرة كأهم مؤسسة اجتماعية والأقدم تاريخياً، في حالة تأزم قد تختلف وتيرته من مجتمع إلى آخر، وقد يختلف شكله من فضاء ثقافي إلى آخر، ولكن في نفس الوقت الحقيقة التاريخية تقول إنَّ المجتمع لا يستغني عن الأسرة كنواة أولى، وأنَّ التعامل السلبي مع العواصف التي تمس وجودها، إنما يؤسس لخراب اجتماعي لا قدرة للإنسان ولا للإنسانية عليه.
فالحل هو معالجة تهديدات الأسرة؛ لأنَّه لا غنى عنها، حتى ولو بلغت الفردانية أوجَها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib