هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

المغرب اليوم -

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

 

«الحرب الأهليّة في لبنان»... تعبير بات يتكرّر على ألسنة سياسيّين وإعلاميّين لبنانيّين، ويحذّر منه ديبلوماسيّون عرب وأجانب. والعنوان الكبير والخطير هذا لا يحتمل الاستخفاف به، وإن كان أيضاً لا يستدعي التضخيم وتحويله سبباً للتهويل.

فمن جهة، لا يخلو الأمر من عناصر قليلة تبعث على شيء من الاطمئنان، إذ ليس هناك اليوم طرف لبنانيّ يحمل السلاح إلى جانب الإسرائيليّين، وليس هناك مشروع سياسيّ إسرائيليّ للبنان، على ما كانته الحال في 1982 مثلاً. كذلك ما من طرف خارجيّ يحرّض على حرب أهليّة أو يموّلها. ذاك أنّ أخصّائيّي هذه المهمّة ليسوا جاهزين لها الآن: سوريّا الأسديّة مشغولة بمداراة أحوالها العجيبة، والعراق الصدّاميّ وليبيا القذّافيّة صارا من الماضي الميّت. أمّا إيران الخمينيّة فطريق صادراتها الحربيّة إلى لبنان باتت مقطوعة أو، في الحدّ الأدنى، مُراقَبة ومُعاقة.

ويُفترض أن لا يكون في لبنان، بعد الكارثة الحاليّة والمتمادية، مَن هو قادر على خوض حرب أهليّة أو راغب فيها. فإلى العُزّل من خصوم «حزب الله» هناك المُنهَكون من محازبيه، والكلّ، ولو بتفاوت، يستولي عليهم الألم والحزن والإنهاك.

مع هذا، ومن جهة أخرى، يبقى التحفّظ واجباً إذ قد يبدّد الواقعُ الذي لم تنجلِ بعدُ صورته الكاملة التوقّعاتِ المسبقة، وهذا فيما احتمال تطاول حرب إسرائيل و»حزب الله»، ولو اختلفت أشكالها، أكبر من احتمال إنهائها السريع، على ما يبدو. وفي الحالات جميعاً، ينبغي عدم التقليل ممّا قد تسفر عنه اتّجاهات قويّة غير مشجّعة، والمؤسف أنّها قابلة للتنامي.

فبغضّ النظر عن التضامن مع النازحين، بوجهيه الحقيقيّ والفولكلوريّ، هناك بين الطوائف اللبنانيّة، بقواها السياسيّة والحزبيّة ومن دونها، علاقات متوتّرة ودم سيّئ يصبغ الماضي، وهناك حاضر تتنافس فيه نظريّتان للبنان تختلف واحدتهما جذريّاً عن الأخرى. وثمّة محطّات داهمة قابلة أن تتحوّل، في المناخ المتأزّم الراهن، محطّاتِ تفجير، كمثل سؤال الأولويّة بين انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة ووقف إطلاق النار...

ومسألة النزوح والتهجير، وهي هائلة الحجم بكلّ المعاني، تملك طاقة تفجيريّة هائلة أيضاً، خصوصاً في ظلّ ضآلة الموارد وميلها إلى مزيد من التضاؤل، وانكماش قدرة الدولة كصاحبة دور اقتصاديّ وماليّ، وهذا فضلاً عن إمكانات التلاعب الإسرائيليّ بالمخاوف الأمنيّة، وعن قدرة الإسرائيليّين، من خلال الغارات الحربيّة وأفعال العدوان الوحشيّة الأخرى على عموم الطائفة الشيعيّة ومناطقها، على شحذ الحذر المتبادل بين السكّان وتنشيطه.

وهناك السؤال الكبير الذي ينطوي، هو الآخر، على طاقة خرابيّة لا يُستهان بها: هل يقبل «حزب الله» التحوّل إلى حزب سياسيّ منزوع السلاح مثله مثل أيّ حزب سياسيّ آخر؟ وفي ظلّ الميل المرجّح إلى الرفض، لا يُستبعد عن بعض خصومه، بشيء من الخفّة وشيء من الثأريّة، مدّ خصومتهم له لتشمل الطائفة الشيعيّة، ومن ثم انضواء البُعد السياسيّ للصراع في بُعد طائفيّ ساحق وشامل. وهنا تستدعي الأمانة القول إنّ ما تبقّى من تعابير التفاف حول «الحزب» إنّما ترتدّ سلباً على الملتفّين وعلى عموم العلاقات الأهليّة بين الطوائف.

ولسوف تكون كلُّ إطالة زمنيّة للحرب، وكلُّ إنكار للوقائع الجديدة، تقصيراً لطريق الاحتراب وتأزيماً إضافيّاً للتواصل المأزوم أصلاً بين اللبنانيّين، لا سيّما مع تمسّك الناطقين بلسان «حزب الله»، والدائرين في فلكه، بلغة متعجرفة من التهديد والوعيد والتخوين حيال مَن لا يرون رأيهم. وهذا فضلاً عن إشارات تكاثرت مؤخّراً، وبدأت تشي بالميل إلى تشويه صورة الجيش وأيّ دور قد يلعبه في تفادي انفجار النزاع الأهليّ، وهو الطرف الوحيد المؤهّل لذلك.

فوق هذا، هناك حالات ثلاث لزجة تتقاطع عند ترك الأمور في محطّة من الفراغ السياسيّ، يجتمع فيها التعفّن إلى الاحتمال الانفجاريّ:

- انتهازيّة السياسة الإسرائيليّة وسينيكيّتها حيال «اليوم التالي» في لبنان، كما في قطاع غزّة،

- وجبن السياسيّين القيّمين على أمور لبنان ممّن يستبدّ بهم، ولو أنكروا، شعور عميق بضعف شرعيّتهم يعطّل مبادرتهم المستقلّة عن «حزب الله»،

- وعجز المداخلات الديبلوماسيّة الخارجيّة تبعاً لمدى الممالأة لإسرائيل وانتهاكاتها ولانعدام الثقة بظهور تجاوب لبنانيّ حاسم وفعّال معها.

وهذا جميعاً إنّما يحيط به مناخ أعرض وأدعى للقلق يضجّ بتحوّلات كبرى مرشّحة، كما التحوّلات الكبرى دائماً، لأن تحرّض على العنف وتنشّط الاستعدادات الحربيّة:

من جهة، سوف يطرأ تغيير ضخم على توازنات الطوائف وعلاقاتها البينيّة، بعد الإضعاف المتعدّد المستويات الذي أنزلته الحرب بالطائفة الشيعيّة،

ومن جهة أخرى، سوف يتضاعف، مع الحرب الراهنة، تراجع الثقة بمبدأ العيش المشترك بين اللبنانيّين، وهو ما بدأت تعابيره قبل الحرب بالظهور والتكاثر.

وهناك، أخيراً، ما تُنذرنا به التجارب الكثيرة في ماضي لبنان الحديث، وهو أنّ كلّ اندراج عنفيّ ومباشر في حروب ذات أسباب عابرة للحدود الوطنيّة، أسُمّيت قوميّة أو دينيّة أو أيّة تسمية أخرى، ينتهي بنا اندراجاً في حرب أهليّة مدمّرة يكون فيها واحدنا هو عدوّ الآخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib