عن الثقافة والمال لا هذا ولا ذاك
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

عن الثقافة والمال: لا هذا ولا ذاك

المغرب اليوم -

عن الثقافة والمال لا هذا ولا ذاك

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

تكثر البراهين على أنّ المال إذا استخدم بطريقة ما، ومن موقع ما، قد يسيء إلى الإبداع الذي يُراد دعمه. هذا ما يتجلّى راهناً، أقلّه في الغرب، على غير صعيد.
لقد رصد الكاتب البريطاني - الأميركي توني جوت الأسباب التي باتت تمنع ظهور مثقّفين كزولا وكامو وميلوش، مسترجعاً تحوّلات مجتمعيّة عريضة. فالمذكورون كانوا قلّة يعيشون، كلّياً أو جزئيّاً، من الكتابة، وكان موقعهم وثيق الصلة بالإعلام المطبوع. وهذا ما استمرّ في أوروبا من أواخر القرن التاسع عشر حتّى ستينات القرن الماضي، حين بدأت تتراجع الكتابة، بوصفها الأداة الأفعل في إيصال الأفكار وتداولها. وكان أكثر ما تراجع قراءة الصحف والمجلات حيث يكتب المثقّفون. هكذا عدنا، بمعنى ما، إلى القرن الثامن عشر حيث لا تتواصل النُخب إلا مع نُخب. وبدورها نشأت ظاهرة «مثقّفي التلفزيون» التي تستمدّ موادّها مما يهمّ الجماهير في مجتمعات غدت جماهيريّة (mass societies)، كما تغيّر اقتصاد الحياة الثقافيّة، فلم يعد مالكو الصحف مثقّفين، بل غدوا أصحاب مصالح تجاريّة تدفعهم إلى مطالبة المثقّفين بالحرص في إبداء الرأي بحيث لا يُخلّ بمصالحهم. وبسبب هذا التمويل صار الولاء الأكبر مطلوباً أكثر في الإعلام، فشرع المثقّف النقدي الذي يعيش على الكتابة يختفي، وراحت تنكمش وسائله القديمة كالصحف والمجلات.
أمّا فئات المثقّفين التي توسّعت فضمّت المراقبين والفنيين ممن يدعمون حزباً أو «لوبي» ما، وموظّفي مراكز أبحاث يهتمّون بما يهمّ مراكزهم، مثلما شملت صحافيين استقصائيين اعتبروا أنّ واجبهم رصد انتهاكات السلطة، إلا أنّ عملهم يبقى بطبيعته جزئيّاً، وأكاديميين باتوا، منذ أواسط السبعينات، الأكثريّة الكاسحة من المثقّفين المؤثّرين.
وإذا دقّقنا في تلك الأسباب ونتائجها وجدنا المال حاضراً، مباشرة ومداورة، يتوّج وجهة بدأت قبل عقود، وإن عرفت قفزتها الكبرى أوائل الثمانينات.
فمنذ الخمسينات، لاحظ السوسيولوجي الأميركي سي رايت ميلز تلك الوجهة في التعليم، التي لم تكفّ عن التعاظم مذّاك، في موازاة تعاظم تمويل الجامعات وتحكّم المموّلين بالموادّ والمناهج التي تُدرّس. فقد استوقفه أنّ «اختصاصيّي الماضي» من علماء وفنّانين كانوا مستقلّين وأكثر إبداعيّة وبحثاً عن معادلات واكتشافات جديدة، لكنّ المصالح الاقتصاديّة لَوَتْ عنق العلم الذي استخدم التقنيّة جرّافة له. هكذا لم تعد مهمّة العالم إحداث اختراق في فهمنا، بل إنتاج تقنيّة قابلة للبيع ونافعة للاقتصاد. وهذا ما أدّى إلى إحكام ربط المعرفة بالربح، على ما يدلّ مثلاً إسهام صناعة الأدوية في تمويل البحوث الطبية. أمّا الأساتذة فبات يتضاعف تركيزهم على تعليم المعارف الوظيفيّة، ما أضاف إلى الجامعات كلّيّات البيزنس، بعدما كان تنسيب البيزنس إلى الأكاديميا سبباً للسخرية. كذلك أفضى إخضاع المعرفة للبيزنس إلى جعلها شديدة التجزئة، فقبلاً كان الأستاذ ذا إلمام عريض بالعالم وبباقي أنظمة المعرفة، لكنّه اليوم غدا ضيّق الاختصاص، يعجز عن ربط اختصاصه بتيّارات المعرفة الأعرض. وكما تغدو حياة الأساتذة أشدّ بيروقراطيّة ويتنامى الشقّ الإداري من عملهم، يشهد الفنّ تراجعاً في حضور المبدعين البوهيميين والتخريبيين، ليحلّ انضباط أكبر بما سمّته «مدرسة فرانكفورت» «صناعة الثقافة» التي تنتج ما يصادر احتجاج الناس ويعمم سلع الاستهلاك الجماهيريّ.
واليوم يُلاحَظ أنّ نسبة المبدعين من ذوي الخلفيّات الفقيرة لا تني تنخفض تبعاً لـ«ارتفاع كلفة» التحوّل إلى فنّان، من الدراسة في مدارس غنيّة إلى الاستفادة من شبكة علاقات عامّة أو امتلاك إستوديو أو مكتب أو محترف...
وهذا النقد يصيب في جانب ويبالغ في جانب آخر، فيترتّب عن مبالغته تشكيك بكلّ مؤسّسة وكلّ معرفة وكلّ نخبة، وهو أقصر الطرق إلى الشعبويّة وإلى إضعاف الثقة المتبادلة داخل المجتمعات وتحويل أفرادها ذرّات مفكّكة. فوق هذا، تحجب المبالغة حقيقة أنّ ذاك الغرب، المتراجع والمصاب بالنيوليبراليّة، لا يزال المصدر الأوّل، وبلا قياس، للثقافة والمعرفة، لأنّه المكان الوحيد في العالم حيث تُناقَش الإخفاقات والإساءات والتجاوزات وتغدو قابلة للتصحيح.
وإحدى أكثر المبالغات الشعبويّة استفحالاً إصدار إدانة إطلاقيّة لكلّ علاقة بين المال والثقافة، وتصوير «اقتحام» المال للثقافة بوصفه عدواناً لا ينجم عنه سوى الحطّ من شأن الثقافة وتوظيفها الحصري في خدمة رأس المال، (وهذا علماً بأنّ كثيرين من رافعي هذه الراية لا يعترضون على تمويلهم وتمويل مشاريعهم).
والزعم هذا، ومعه افتراض أنّ الانحطاط الثقافي هو حكماً ما ينجم عن تماسّ المال والثقافة، يجافيان عدداً لا حصر له من البديهيّات. فمنذ قدامى الإغريق، ارتبط الإبداع على أنواعه بالثراء المادّي وبعدم الاضطرار إلى أداء أعمال أخرى لسدّ الحاجة. وحتّى الماركسيّة الأوروبيّة، ماركسيّة ماركس، ربطت الازدهار الفكري والإبداعي بالوفرة، ولم تقدّس البؤس أو تقدّمه بيئة ملائمة للتفتّح. والأسوأ أنّ كثيرين من دعاة الفصل المطلق لا يتردّدون في المطالبة بتدخّل الدولة في الثقافة بديل القطاع الخاصّ، علماً بكثرة التجارب الدوليّة، شيوعيّة ونازيّة وسواها، التي تنبّهنا إلى كوارث هذا التدخّل.
فهل نقول، والحال هذه، إنّ الثقافة الإنسانيّة خسرت كثيراً من جرّاء الرسوم الكنسيّة لعصر النهضة والأعمال النحتيّة التي زيّنت فلورنسا وباقي المدن الإيطاليّة، علماً بأنّ البابوات والأسر الثريّة كانوا المموّلين، أو إنّ شكسبير كان وصمة عار على جبين الثقافة، لأنّ اللورد تشامبرلين دعمه ماليّاً؟ وهل تُدان موسيقى باخ الذي ظهر من يلقّبه بـ«موسيقار الكنائس اللوثريّة» في ألمانيا، أو نشيح بأبصارنا عن أعمال غويا الذي قضى الأيّام الطويلة يرسم ملوك إسبانيا وأمراءها، أو نغلق ديوان المتنبّي بسبب مدائحه المدفوعة لأميره سيف الدولة؟ وهؤلاء ليسوا سوى عيّنة صغيرة جدّاً من أسماء مبدعين لا يتّسع مجلّد لتعدادهم.
صحيح أنّ المال الثقافي لم يعد اليوم أعطية من رجل دين أو حاكم، لكنّ علاقة الثقافة بالمال تبقى ثابتاً بقدر ما تبقى شرطاً للإبداع. أمّا المسألة الجديرة بالنقاش فتتعلّق بترشيد استخدام المال وبرشد صاحب المال، بما يوفّر لأعداد أكبر من الناس، بل للجميع إن أمكن، القدرة على ممارسة الإبداع والنقد.
   

 
     

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الثقافة والمال لا هذا ولا ذاك عن الثقافة والمال لا هذا ولا ذاك



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 21:32 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

تشيلسي يجدد عقد الإدريسي حتى 2028

GMT 21:14 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

ميسي يقترب من تجديد عقده مع إنتر ميامي

GMT 21:27 2025 الجمعة ,11 إبريل / نيسان

رفض استئناف أوساسونا بشأن لاعب برشلونة

GMT 20:55 2025 الإثنين ,24 آذار/ مارس

جزارون يتخلصون من لحم إناث الغنم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib