«الآخر» بوصفه جواب أرسطو
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

«الآخر» بوصفه جواب... أرسطو

المغرب اليوم -

«الآخر» بوصفه جواب أرسطو

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ربّما جاز اختصار كثير من مشكلاتنا، في زمن الهويّات، بعنوان «العلاقة بالآخر». وربّما كانت الإجابة الثقافيّة «الأبكر» عن المسألة ما قدّمه أرسطو. فـ«المعلّم»، الذي وضع «الشِعريّات» (The Poetics) بعد 150 سنة على عصر التراجيديّات الأثينيّة، اندرج موقفه في التقليد المضادّ لأفلاطون الذي طرد الشعراء من جمهوريّته المثال إذ يشيعون رؤية زائفة للواقع، مقترحاً «حذفاً لبكائيّات المشاهير وخطاباتهم في الشفقة».
فأفلاطون لم يؤمن بالفنون التي تمثّل الواقع وتقلّده فلا تكون غير محاكاة (mimesis) وخِدَعاً. أمّا أرسطو فرأى وراء المحاكاة الآخريّةَ، وتمثّل الآخرين. وفي مستهلّ كتابه اعتبر أنّها ما يجعل التمثيل (representation) ممكناً.
لكنْ إذا كان الشعر محاكاة فهذا لا يعني أنّه نسخ للمُحاكَى، إنّما تخييل له في مختبر تجربة أخرى. فالغريزة تلك مزروعة في الكائن منذ طفولته، ما يجعله يتعلّم الكلام والمشي بتقليده الكبار، فإذا كان التعلّم هذا نافعاً ومُبهجاً، فأعمال المحاكاة، كالشعر والرسم والنحت، مدعاة مؤكّدة للسعادة.
والآخريّة لا تنفصل عن مسؤوليّة اجتماعيّة، وتصوّر لترقية اشتغال الدولة. فأفلاطون اعتبر أنّ مواطني الجمهوريّة متى رأوا شخصيّة بطوليّة يائسة أو قانطة أحسّوا بالحزن وبمشاعر سلبيّة مؤذية، أمّا مَن يشاهد مسرحيّات يُقتل فيها آباء وأمّهات، فلسوف تستولي عليه رغبات ثأريّة وضارّة. وعلى العكس كان هَمّ أرسطو أن يبرهن أنّ الشعر والمسرح مُثقِّفان للمجتمع، فيما التراجيديا تحديداً «تقليدٌ لعمل جدّيّ وكامل».
وهو إن وافق على أنّ الشعر والدراما يمكنهما إثارة المشاعر الحادّة، رأى أنّنا لا نحمل هذه المشاعر إلى حياتنا اليوميّة، بل نلجأ، بالتأمّل والإشفاق والخوف، إلى «التنفيس» (catharsis) والتحرّر من كابوس تلك الأحاسيس. وفكرة «التنفيس» هذه هي التي استعادها، بعد قرون، فرويد وزميله جوزيف بروير وطوّراها في المعالجة النفسيّة.
ذاك أنّ الأدب، وفق أرسطو، يوفّر الحيّز الذي نختبر فيه المشاعر القويّة قبل إخراجها من نظامنا ودواخلنا. وهكذا فموت أحدهم على الخشبة أمامنا يردعنا عن القتل أكثر ممّا يحضّنا عليه.
والتنفيس إذ يُشعرنا بالإشفاق على البطل المأسويّ، كما بالخوف من أن ننتهي إلى أوضاع مشابهة، يُدخلنا في عمليّة رَضيّة (traumatic) مؤلمة، إلاّ أنّها صحّيّة، تماماً كشعور المرء بالارتياح بعد بكائه أمام مشهد يعبّئه بمشاعر حادّة.
والحقّ أنّ الوظيفة التثقيفيّة هذه كانت، قبل أرسطو، رياضة وطنيّة للأثينيّين وإجماعاً بين حكّامهم ومحكوميهم. فآنذاك، في القرن السادس قبل الميلاد، كانت السلطات تعطّل المباني الرسميّة والمحاكم لتمكّنَ السكّان من مشاهدة المسرحيّات التي يعقبها نقاش وتداول يشملان 20 ألف مُشاهد. وكان سعي الجمهور معرفيّاً وعلاجيّاً أساساً، فهو كان على بيّنة ممّا سوف يحصل لأنّ التراجيديّات مبنيّة على ما يعرفه الجمهور من قصص قدامى الإغريق وأساطيرهم، حتّى الذين لا يعرفونها يعرّفهم «الكورس» بها في بدايات العرض. وهكذا فهم لا يحضرون عملاً ما كي يتابعوا تسلسل قصّته أو لاكتشاف نهايته، بل للتفكير والتأمّل. وكون الموضوع جدّيّاً، وجب التعامل معه بجدّيّة، فمُنع العنف والقتل على الخشبة، على عكس تمجيدهما في أطوار لاحقة، ولا سيّما الحقبة الرومنطيقيّة.
وأرسطو لم يكن محبّذاً للمبالغة المشهديّة، إذ إنّها تبتذل التراجيديا التي ينبغي أن ينضبط المُمتِع فيها بحبكة الفعل التراجيديّ نفسه. فالفعل يتقدّم على أبطال المسرحيّة، الذين هم، رغم خُطبهم البليغة، ليسوا من يُحدث التنفيس والتأمّل، بل يُحدثهما «ترتيب الأحداث». وتندفع الآخريّة أبعدَ فأبعد في تعريف أرسطو للتراجيديا، وهو الذي كان أوّل دارسيها في هذا العمل الذي يُعدّ باكورة النقد الأدبيّ (الجزء من «الشعريّات» المتعلّق بالكوميديا لم يصلنا). فالتراجيديا لا تقوم بلا بطل مركزيّ يخطئ خطأ يصعب الرجوع عنه، خطأً يرميه في وضع مأسويّ، إنّما يثير التعاطف معه المصحوب بالخوف من أنّنا قد ننتهي إلى مصير مشابه إذا ارتكبنا الخطأ إيّاه. فخوفنا على أنفسنا وإشفاقنا على البطل التراجيديّ ينتميان إلى عمليّة واحدة ينبثق منها حسّ رفيع بالمسؤوليّة وبدور الفعاليّة الإنسانيّة؛ فلئن لم يستطع البطل التراجيديّ أن يستفيد من إدراكه المتأخّر لخطئه (anagnorisis)، والعمل على تصحيحه، فالجمهور المتأمّل يستطيع ذلك. وما دامت الأخطاء تصدر عن أفعال إنسانيّة، فإنّها بأفعال إنسانيّة مغايرة قابلة للعلاج.
وهنا، ودائماً، يطرد المتحوّلُ القابل للتدخّل الإنسانيّ الجوهريَّ والماهويّ. فالتراجيديا غالباً ما تنطوي على معرفة مُباغتة تضرب ما سبق أن بدا يقيناً، وما أن تروح الحبكة تتكشّف حتّى تظهر لحظة، سمّاها أرسطو peripeteia، أو الارتداد عن المجرى السابق للأحداث بما يغيّر عالم المسرحيّة ويدفع البطل في وجهة مختلفة.
لهذا كان ضرورةً قصوى أن يشاهد المواطنون الأعمال التراجيديّة بانتظام لمقاومة ميولهم القويّة إلى الأحكام الجاهزة بحقّ آخرين والإدلاء، تالياً، بوعظيّات فارغة.
وهذا التماهي مع تجارب الآخر، والمسؤوليّة حيال ما يجمعنا به، والتعاطف مع من يخطئ والتعلّم من خطئه، إنّما يقف ضدّاً لقيم وممارسات درّجتها الأحزاب العقائديّة وصحافة «التابلويد» وبعض الإعلام الاجتماعيّ؛ خصوصاً سجالات التشهير، حيث يسارع الناطقون بلسان «حقيقة» ما، إلى تخوين من خالف، والشماتة بمن أخطأ.
لقد قدّم لنا أرسطو، قبل 25 قرناً، رؤية وتصوّراً رحبين. وهذا ما كان ليحصل لو لم يكن الأثينيّون سياسيّين يستخدمون التراجيديا وسيطاً لتقليب الأمور، أي الانفصال عن أنفسهم فيما يكونون متّصلين بها، والدخول تالياً في أنفس الآخرين. فأسخيليوس مثلاً الذي سبق أرسطو زمناً، كتب عملاً تراجيديّاً سماه «الفرس»، بعد 8 سنوات على هزيمة الغزاة الفرس في معركة سلامِس. ورغم مشاركته القتاليّة المرجّحة في الحرب، تمكّن أسخيليوس من أن يراها بعيون الخصم، ويقدّمها بصفتها هذه إلى الأثينيّين.
وهذا التفكير بالآخر، ومعه، وحياله، هو ما بات واحداً من شواغل الفكر السياسيّ المعاصر، وإن ظلّ من أضعف شواغل السياسة والسياسيّين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الآخر» بوصفه جواب أرسطو «الآخر» بوصفه جواب أرسطو



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib