هيّا بنا إلى «الالتزام»
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

هيّا بنا إلى... «الالتزام»

المغرب اليوم -

هيّا بنا إلى «الالتزام»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

في 1955 شهدت بيروت مناظرة كان طرفاها «عميد الأدب العربيّ» طه حسين والكاتب اليساريّ اللبنانيّ رئيف خوري. المناظرة كان عنوانها: «لمن يكتب الأديب: للخاصّة أم للكافّة؟»، وكان يُفترض بطه حسين الدفاع عن «الكتابة للخاصّة»، وهو ما لم يفعله، معتبراً أنّ هذه الثنائيّة زائفة، وأنّ الأديب إنّما «يكتب لغيره، يكتب لمن يُتاح له أن يقرأ». أمّا خوري فتولّى الدفاع، كما كان متوقّعاً، عن «الكتابة للعامّة».
منظّم الندوة كان الأديب اللبنانيّ سهيل إدريس، صاحب مجلّة «الآداب» ورئيس تحريرها، والذي هو أيضاً ممّن ترجموا جون بول سارتر إلى العربيّة.
والحال أنّ الموضوع الذي دارت المناظرة حوله كان يومذاك من طبيعة سارتريّة، خصوصاً أنّ ما كان مقبولاً عربيّاً من الفيلسوف والأديب الفرنسيّ المناصر لثورة الجزائر لم يكن ليُقبل من مصدره الآخر، أي السوفياتيّ. ذاك أنّ موسكو كانت قبل ثماني سنوات فقط قد أيّدت قرار تقسيم فلسطين، أمّا أحد المتناظرين، صديق الشيوعيّين رئيف خوري، فكان أصدقاؤه مستائين منه لـ«اتّهامهم» إيّاه بالتيتويّة والقوميّة. هكذا اتّفق المتناظران، على اختلاف موقعهما، على إدانة الوضع المزري للأدباء في الاتّحاد السوفياتيّ.
أمّا بالعودة إلى سارتر، مصدر الاستلهام، فهو كان قد أصدر في 1948 كتاباً عنونَه بـ«ما هو الأدب؟» (إحدى ترجماته بالإنجليزيّة جاءت تحت عنوان «الأدب والوجوديّة»)، وهو أربعة فصول - دراسات سبق أن نُشرت في مجلاّت فرنسيّة، حاملةً عناوين: «ما هي الكتابة؟»، و«لماذا نكتب؟»، و«لمن يكتب الكاتب؟»، و«وضع الكاتب في 1947».
وكان سارتر قبل ذاك قد تعرّض لانتقادات كثيرة حول ميله إلى تسييس الأدب، فجادل في كتابه هذا ضدّ منتقديه وآرائهم. بيد أنّ ما استرعى معظم الانتباه، ودار حوله السجال، كان الدراسة الأولى التي عزّزها صاحبها بكمّ هائل من الاستشهاد بالأدب الفرنسيّ في القرون 17 و18 و19، وبالإفاضة في الأثر الذي خلّفته اللغة على الثقافة والمجتمع الفرنسيّين.
في الدراسة المذكورة، سجّل الفيلسوف والأديب الفرنسيّ تمييزه، الذي سيبني نظريّته عليه، بين النثر وباقي أشكال الفنّ، كالشعر والرسم والنحت والموسيقى. هذا التمييز، الذي اعتُمد «بهدف الوضوح»، مفاده أنّ تلك الأشكال الفنّيّة هي «موضوع»، لأنّ الناظر والسامع يحاكمها، أمّا النثر فـ«ذات»: فهو وظيفيّ وإقناعيّ وموصل للمعنى، إذ كتّابنا «يريدون أن يدمّروا، وأن يعلّموا، وأن يُظهروا». والكاتب، في صياغة سارتريّة أخرى، «متحدّث، يعيّن ويعرض ويأمر ويرفض ويحقّق ويسأل ويُهين ويُقنع ويلمّح». إنّه مَن يعرب حصراً عن المعنى الذي يتلقّاه القرّاء منه، والنثر ميدان المعنى، فيما المعاني لا تُرسم أو تُنحت أو تُلحّن.
ثمّ إنّ الأشكال الفنّيّة الأخرى (رسم، نحت، موسيقى...) تنهض على مؤثّرات مختلفة كالشكل واللون والنبرة وعلى عناصر حسّيّة، لا على كلمات. حتّى الشعر، الذي يتألّف من كلمات، لا يدور حول تلك الكلمات ومضامينها، بل المهمّ فيه ما ينشئ اجتماع هذه الكلمات ويرصفها معاً، حتّى إنّ الشاعر يقيم «خارج اللغة»: على يده تتحوّل الكلمات إلى عوالم صغيرة، ما يجعله خادماً للكلمات، أكثر منه مستخدماً لها. أمّا النثر، في المقابل، فيستخدم الكلمات بوصفها شيئاً دالّاً على ما هو قائم حولنا وفي عالمنا. لا بل يستحيل، في النثر، البحث عن الحقيقة والكشف عن المواقف دون استخدام اللغة كأداة حصريّة. فإذا صحّ أنّ الشعر يخدم اللغة، فإنّ النثر تخدمه اللغة وتتيح له أن «يوظّفها».
ولئن كانت كتابة قصّة أو مسرحيّة تستدعي وجود الأسلوب، فإنّ الأسلوب ليس الأهمّ في الكتابة النثريّة، بل المهمّ الموضوع الذي تتناوله الكتابة، أي إيصال بعض الحقيقة وكشف المواقف الحاليّة بهدف تجاوزها مستقبلاً. وهكذا فالأسئلة التي تواجه كاتب النثر ليست من طينة أسلوبيّة أو جماليّة، بل: أيّ مظهر للعالم تريد أن تكشفه، أو تفضحه؟ وأيّ تغيير تنوي إحداثه من طريق هذا الفضح؟
فإذا أدّى الكاتب وظيفته تلك، مستجيباً لمسؤوليّته، فلن يستطيع أيّ كائن بعد ذاك «أن يزعم لنفسه مهرباً من المسؤوليّة».
والكتابة الملتزمة هذه هي ما يوصل إلى القرّاء الحقيقة ومثال المجتمع الحرّ، إذ ما إن يتعرّف الكاتب على ما يحصل في العالم حتّى يغدو مسؤولاً ومطالَباً بأن يتكلّم. وبدوره فالصمت، بوصفه رفضاً لممارسة هذا الكلام، يرقى إلى إخلال بـ«قانون» الأدب.
لكنّ الشروط هذه لا يستطيعها، ولا يُطالَب بها، الشعر والرسم والنحت والموسيقى، كما لا تنطبق على أنواع نثريّة كالرواية. ذاك أنّ اعتبار الكتابة الأدبيّة مشروعاً لنقل الحقيقة أو استدعاءً للمُثُل إنّما يُدرجها في الجهد الأخلاقيّ، كما في الجهد التعبويّ لمن يتلقّى حقائقها، ممّا لا ينبغي للرواية أن تندرج فيه.
وهذا لا يعني بالطبع غضّ النظر عن الطريقة الفنّيّة في الكتابة النثريّة، بيد أنّ المحاكمة الفنّيّة تبقى مشروطة بألا يذهب تركيزها على الأسلوب بعيداً، وأن يبقى في حدود الإيحاء والإشارة. وسارتر لا يتردّد في إدانة النقّاد «الطهرانيّين» الذين لا يسترعيهم إلّا تحليل الكاتب نفسيّاً، أو الكشف عن اللاشعور وعن اللاوعي في عمله، أو أولئك الذين يعاملون الأدب كما لو أنّه محصور بقيمته الفنّيّة، نافين وظيفته الاجتماعيّة ومتجاهلين الهدف من ورائه والتأثير الذي يُحدثه.
وفي الخلاصة، يستحيل أن يكون هناك كتاب جميل فنّيّاً وسيّئ أو مؤذٍ أخلاقيّاً.
بلغة أخرى، وكما في كلّ وعي محافظ، ولو استنجد بكثير من الضجيج الثوريّ، هناك طغيان للمعيار الأخلاقيّ والسياسيّ على المعيار الأدبيّ. وهناك رسالة يحملها الكاتب، مادّتها الكلمات، كما الحال في الكتب الدينيّة. وعلى عكس باقي الفنون، لا يشارك المشاهد أو السامع في الحكم على هذه الرسالة. إنّه يتلقّاها فحسب.
فما كان يقوله الكتّاب السوفيات قبل سارتر جدّده سارتر، وأضاف إليه الحذلقة الفرنسيّة المعهودة. فإذا نحن، مرّة أخرى، أمام داعٍ ومدعوّين، وطرف موجب وآخر سالب، وعنصر ملقِّح وعنصر ملقَّح.
كتّابنا أصيبوا لعقود بهذا الالتزام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هيّا بنا إلى «الالتزام» هيّا بنا إلى «الالتزام»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib