ديكتاتوريّو الفضيلة ومحو الماضي بتغيير الكلمات
إعصار كالمايجي يودي بحياة أكثر من 116 شخصا ويعد الأشد في الفلبين هذا العام زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب شمال جزيرة سولاويسي في إندونيسيا الخطوط الجوية التركية تعلن عن إستئناف رحلاتها المباشرة بين إسطنبول والسليمانية اعتباراً من 2 نوفمبر 2025 مفاوضات سرية تجرى بين إسرائيل وحركة حماس لتمرير ممر آمن لمقاتلي حماس مقابل جثة الجندي هدار غولدين وزارة الصحة الفلسطينية تعلن إرتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 68875 شهيداً كتائب القسام تعلن العثور على جثة أسير إسرائيلي في الشجاعية وتتهم إسرائيل باستهداف مواقع استخراج الجثث بعد مراقبتها نتنياهو يهدد مقاتلي حماس في الأنفاق بين الاستسلام أو الموت وسط نقاشات إسرائيلية حول صفقات تبادل جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصر من قوات الرضوان التابعة لحزب الله انفجار ضخم جنوب قطاع غزة ناتج عن نسف مربعات سكنية بمدينة رفح غزة تتسلم 15 جثماناً فلسطينياً في إطار صفقة تبادل الجثامين
أخر الأخبار

ديكتاتوريّو الفضيلة ومحو الماضي بتغيير الكلمات!

المغرب اليوم -

ديكتاتوريّو الفضيلة ومحو الماضي بتغيير الكلمات

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هل يحقّ لنا على ضوء حساسيّاتنا الراهنة أن نغيّر كتب التاريخ والأدب ونصوصها؟ هل يجوز مثلاً، باسم رفض العنصريّة، أن نستبدل الأوصاف التي أطلقها المتنبّي على كافور الأخشيديّ بأوصاف أخرى، أو أن نتخلّص من شخصيّة شايلوك عند شكسبير، وهل يجوز باسم العقل والعقلانيّة أن نحذف الساحرات من «مكبث»؟ ديكتاتوريّو الفضيلة الذين هم على حقّ، أو يظنّون أنّهم كذلك، ثمّ يريدون فرض هذا الحقّ على الواقع والتاريخ، يُجيزون أفعالاً من هذا القبيل.

روالد داهل، كاتب قصص بريطانيّ للأطفال، مات في 1990 وكانت آراؤه العامّة في غاية البشاعة، خصوصاً لا ساميّته الحادّة وبعض أوصافه الفظّة للنساء وللملوّنين. لكنّ كتبه باعت أكثر من 300 مليون نسخة، وتُرجمت إلى 68 لغة ولا يزال الأطفال يقرأونها على نطاق عالميّ واسع.

مع هذا أقدمت دار نشره البريطانيّة «بوفِّن بوكس» التابعة لـ «بنغوين راندوم هاوس»، على تغيير بعض الكلمات في كتبه بما يجعلها أشدّ توافقاً مع حساسيّاتنا ومع «الصواب السياسيّ»، وينقّيها من انحيازاتها ضدّ جماعات وفئات بعينها. كلّ ما يتعلّق بالوزن والسمنة، وبالصحّة العقليّة، وبالجندر والعِرق، غُيّرت. مثلاً، في كتابه «تشارلي ومعمل الشوكولا» المنشور في 1964، أُزيل تعبير «سمين بصورة ضخمة» ليصبح «ضخماً». في كتاب آخر عنوانه «ساحرات»، أُبدلت عبارة «مُحاسِبة في سوبرماركت أو طابعة رسائل لرجل أعمال» لتصبح «عالِمة رفيعة أو مديرة بيزنس»، وأزيلت كلمة «سوداء» من وصف للآلات يقول إنّها «سوداء ومجرمة ومسخ ذو مظهر متوحّش». عبارةٌ كـ «صرتَ أبيض كلوحٍ» صارت «صرت جامداً كتمثال». لكنْ بنتيجة الضجّة التي أثارها «تصويب» كتب داهل تبيّن أنّ كتباً لآغاثا كريستي وإيان فلِمينغ وسواهما تعرّضت لمَقصّ مشابه، وأنّ بعض دُور النشر في الولايات المتّحدة وبريطانيا صارت توظّف محرّرين يُعرفون بـ «قرّاء الحسـاسيّة» (sensitivity Readers) وهم، وفق تعريفهم المهنيّ، «قرّاء من خلفيّات معيّنة أو من ذوي تجارب حياتيّة خاصّة، يقرأون المخطوطات كي يساعدوا في إزالة التمثيلات (representations) الإشكاليّة والمؤذية».

وفضلاً عن السياسيّين الذين استنكروا هذا السلوك، رفع بعض المثقّفين البارزين أصواتهم المحتجّة. سلمان رشدي كان أحد المتدخّلين في السجال. فالأديب البريطانيّ الهنديّ، نائل جائزة بوكر، غرّد على تويتر: «روالد داهل لم يكن مَلاكاً، لكنّ هذه الرقابة سخيفة»، مضيفاً أنّ على الذين فرضوها «أن يشعروا بالخجل». ورشدي، كما بات معروفاً جيّداً، أكثر من دفع كلفة الحقّ في التعبير، إذ فقدَ عينه ولا يزال يتعافى من آثار الاعتداء عليه العام الماضي في نيويورك، فضلاً عن عيشه مُتخفّياً منذ فتوى الخميني الشهيرة في 1989.

مؤسّسة «القلم» (pen) في أميركا، التي تضمّ 7500 كاتب، اعتبرت ما يحصل مثيراً للذعر. السينمائيّ ستيفان سبيلبرغ قال كأنّه يصرخ احتجاجه: «إنّه تاريخنا. إنّه ميراثنا الثقافيّ»...

والحال أنّ ما يحصل ليس أقلّ من عدوان على التاريخ وتزوير للميراث الثقافيّ. فإذا سلكت تلك الرقابة طريقاً معبّدة، ولم تعترضها أيّة مقاومة، كانت النتيجة انتهاكاً صارخاً للإبداع بتحويله إلى أعمال مضجرة ضعيفة المخيّلة، واحدة الخطاب، وتشويهاً للماضي برمّته بما يعدم كلّ ثقة به وكلّ تعويل على أيّة وثيقة صلبة لمعرفته ودرسه. وهذا ما لا يختلف في شيء عن عمليّات «إعادة كتابة التاريخ» التي تُجريها أنظمة ديكتاتوريّة وتوتاليتاريّة، أو قصّ الصور على النحو الذي فعله ستالين حين تخلّص من صور تروتسكي وبلاشفة آخرين كانوا يقفون إلى جانب لينين. ومن يدري إلى أيّ مستنقع من الأكاذيب يمكن أن نصل مع الإمكانات التي باتت تتيحها تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ اليوم؟ لقد قال المدافعون عن هذه الرقابة إنّ هدفهم «حماية» الأطفال من التنميط الثقافيّ والإثنيّ والجندريّ في الأدب والأشكال الثقافيّة الأخرى. لكنّ الحماية عبر التجهيل والتزوير تُحوّل المجتمع كلّه إلى أطفال قُصّر بدل أن تحمي الأطفال. وهذا علماً بأنّ وظيفة «الحماية» يمكن أن يؤدّيها الأساتذة والأهل، فضلاً عن تجارب الحياة نفسها والدروس التي تُعلّمها. وقد يُرفَق النصّ الذي ينبغي «حماية» الأطفال منه بهوامش أو بملاحق تجلو الأمر، أو ربّما بملاحظات تشبه الملاحظات التي أضيفت إلى الطبعة الألمانيّة الأخيرة من كتاب «كفاحي» لهتلر. وهذه كلّها قد تكون مسائل خلافيّة وقابلة للسجال أو للتعديل، إلاّ أنّ ما لا ينبغي السجال فيه هو الرقابة والحذف وتغيير عبارات في النصّ الأصليّ «حمايةً» للأطفال. و»الأطفال»، منذ «جمهوريّة» أفلاطون على الأقلّ، هدف أوّل لديكتاتوريّي الفضيلة الذين يريدون إجراء التجارب عليهم بالاستفادة من ضعفهم وبدء التاريخ، مرّةً بعد مرّة، من صفر. ذاك أنّ التجارب والمعاني المتراكمة ليست لدى هؤلاء أكثر من تلوّثٍ يمكن التغلّب عليه بتغيير الكلمات!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديكتاتوريّو الفضيلة ومحو الماضي بتغيير الكلمات ديكتاتوريّو الفضيلة ومحو الماضي بتغيير الكلمات



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:43 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي
المغرب اليوم - حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي

GMT 00:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا
المغرب اليوم - أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك
المغرب اليوم - راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك

GMT 23:49 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

"صراع" أندية إسبانية على نجم الرجاء السابق

GMT 06:52 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الفيضانات تجبر 2000 شخص على إخلاء منازلهم في الأرجنتين

GMT 22:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المكسرات تقلل خطر الموت المبكر من سرطان القولون

GMT 15:01 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

خط كهرباء يصعق 7 أفيال برية في غابة شرق الهند

GMT 01:47 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

5 صيحات جمالية عليك تجربتها من أسبوع نيويورك للموضة

GMT 13:04 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

أمير كرارة يعتزم تقديم جزء جديد من مسلسل "كلبش"

GMT 07:38 2018 السبت ,12 أيار / مايو

مجوهرات شانيل لإطلالة جذابة في ربيع 2018

GMT 05:18 2016 السبت ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طرق تحسين إضاءة المنزل بعد انقضاء الشتاء وحلول الخريف

GMT 18:56 2013 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

مطعم أردني يقدم الأكلات التراثية في جو عائلي حميم

GMT 09:23 2013 الجمعة ,15 شباط / فبراير

جسور لندن تأخذ المارة من الماضي إلى الحاضر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib