كيف تعيش كمنشقّ يقيم «في الحقيقة»
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

كيف تعيش كمنشقّ يقيم «في الحقيقة»؟

المغرب اليوم -

كيف تعيش كمنشقّ يقيم «في الحقيقة»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

في 1968، إبّان «ربيع براغ»، ظهرت «الموجة الجديدة» حيث ازدهرت الحياة الثقافيّة، وظهرت أفلام وكتب ومسرحيّات لم يكن من المتخيّل أن تظهر قبلاً.

التجربة تلك طحنتها الدبّابات صيف العام ذاته، وانطلقت موجة انتقام من المثقّفين وموجة هجرتهم الكثيفة إلى الخارج. يومذاك كان المسرحيّ الشابّ فاكلاف هافل أحد المراهنين على حرّيّات أكبر للبلد والشعب، ولكنْ أيضاً لأعماله المسرحيّة المخنوقة.

بعد عشر سنوات، وكان هافل يعمل في مصنع بيرة، ممنوعاً من النشاط المسرحيّ، كتب مقالة شهيرة (80 صفحة) حول الوضع السياسيّ في تشيكوسلوفاكيا أساساً، لكنْ أيضاً في بلدان أخرى. مقالته المُعنْوَنة «قوّة الذين لا قوّة لهم» تسبّبت بسوقه إلى السجن، لكنّها بعد عشر سنوات أخرى كانت أحد أسباب تولّيه رئاسة الجمهوريّة.

لقد انطلق هافل من سؤاله حول مدى ما يمكن للمجتمع أن يحرزه من سلطة وقوّة في ظلّ نظام كالنظام القائم. وكمحروم من الدفاع عن حقوقه، ساءل مفهوم القوّة: ما الذي تعنيه بالضبط المعارضة لنظام كهذا؟ ماذا تفعل؟ أيّ دور تلعبه في المجتمع، وعلى ماذا تستند؟ ولا تلبث أسئلته أن تقوده إلى استنتاج مفاده ضرورة قيام مَن لا قوّة لهم بفحص طبيعة السلطة التي يعملون في ظلّها.

وبانتقاله إلى التعريف، رأى أنّ وصف «ديكتاتوريّة» قد يطمس أكثر ممّا يوضح، مفضّلاً وصف النظام التشيكوسلوفاكيّ بـ»ما بعد توتاليتاريّ». والمصطلح هذا لا ينزع التوتاليتاريّة عن النظام، لكنّه يؤكّد ما اعتبره هافل اختلافاً عميقاً عن الديكتاتوريّات الكلاسيكيّة وعن التوتاليتاريّة كما نفهمها. ففي داخل النظام، ثمّة شبكة واسعة وكثيفة من الأدوات الحكوميّة التي تجد شرعيّتها في إيديولوجيا شاملة من «الدين المعلمَن». والشبكة هذه، بإخضاعها المواطنين، تؤدّي إلى القمع والخوف ولكنْ أيضاً إلى الرقابة الذاتيّة. هكذا، وفي الحدّ الأدنى، يُفرض الصمت على السكّان، إلاّ أنّ أموراً أخرى قد تُفرض أيضاً. ولإيضاح قصده استخدم الكاتب مَثَل بقّال يثبّت في واجهة دكّانه شعار «يا عمّال العالم اتّحدوا». فما الذي يريده البقّال من ذلك؟ هل هو فعلاً متحمّس لوحدة عمّال العالم؟ يجيب هافل بأنّ أغلبيّة أصحاب دكاكين البقالة لا يستخدمون الشعارات التي يُلصقونها بواجهاتهم للتعبير عن آرائهم، بل هم لا يفكّرون في معناها أصلاً. إنّهم يفعلون ذلك لمجرّد أنهم يفعلونه، ولأنّ كلّ شخص يفعله منذ سنوات، إذ هذه هي الطريقة التي تسير الأمور بموجبها فتُستأنَف الحياة الآمنة من دون متاعب واتّهامات.

والحقّ أنّ هافل لم يقدّم إضافة نوعيّة في فهم التوتاليتاريّة، لكنّه قدّم مساهمة جديدة في ما يخصّ المجتمع المدنيّ والمسؤوليّة الأخلاقيّة بوجهيها الخاصّ والعامّ.

فإذا كان النظام يعيش في كذبة، فارضاً على المواطنين العيش فيها، فإنّ العيش في الحقيقة هو ما يهدّده، إذ يُعَدّ أقوى معارضة لنظام يمنع السياسة.

وما يعنيه هافل بالمصطلح هذا هو الحياة التي تقوم على التعبير الحرّ والعمل، بحيث يسعى الناس أخلاقيّاً إلى تحسين شروطهم، فيما يتعدّى نشاطُهم العامّ السياسةَ إلى «نشاطات قبل سياسيّة».

و»العيش في الحقيقة»، في ظلّ نظام من الكذب، يعني أن يكون الإنسان جيّداً، محترماً ولطيفاً ومهتمّاً بالآخرين. وأمر كهذا قد يبدو تبشيراً مسيحيّاً، أو ربّما عديم التأثير، إلاّ أنّ أهميّته تنبع من أهميّة بناء نُوى جديدة لمجتمع جديد في صلب العلاقات القائمة. لهذا ينبغي دائماً اختيار السلوك الجيّد ومطابقة الأفعال والأقوال والسعي إلى الأفضل في العمل. فأن تُجيد عملك هو أن تتحدّى تلك السلطة، لأنّك تؤكّد بذلك قوّتك داخل بُنية تمنعك من أن تؤكّدها. وإذا كان للعمل السياسيّ تأثيره المؤكّد، فاقترانه بأعمال قبل سياسيّة، تحضنها بُنى موازية، إنّما يعزّزه ويقوّيه. والحال أنّ الحياة المستقلّة والصادقة لا تلبث أن تجد بُناها، أو تغدو هي نفسها بُنى موازية لبنى السلطة، يعيش فيها أولئك الذين يعيشون في الحقيقة، ويتشاركون البحث عن أهداف مشتركة. لهذا، وفي مقابل انعدام التأثير ضمن نقابة قائمة، لا بدّ من إنشاء نقابة أخرى موازية. والشيء نفسه يصحّ في الإعلام والإدارات المحلّيّة وبعض النشاطات الاقتصاديّة. فالبُنى الموازية هذه لا تلبث، مع الزمن، أن تندمج وتتّحد لتغدو مجتمعاً موازياً، تتشكّل فيه سلطة فعّالة من الأدنى إلى الأعلى، وفي النهاية تجبر السلطة على التعامل معها في ظرف ما. ولا بأس هنا بالتذكير بأنّ مقالة هافل سبقت بعامين تأسيس حركة «تضامن» العمّاليّة البولنديّة التي فُرض على السلطة بعد عشر سنوات أن تفاوضها ثمّ تسلّمها السلطة.

بهذا كان هافل ينطق بلسان الطموحات الرفيعة لشعبه، مؤكّداً على المسؤوليّة واحترام الحقيقة والثقة بأنّ التصرّف الفرديّ الحرّ يوسّع احتمالات الحرّيّة للجميع، دافعاً مواطنيه لاحتضان هذه القيم في ذواتهم.

لكنّ اختيار العيش في الحقيقة لا يمرّ من دون مصاعب. وأوّل المصاعب تلك أنّ ما يبدأ أداءً جيّداً للعمل واحتراماً لأخلاقيّة المهنة قد ينتهي اتّهاماً بالعداء للنظام وللمجتمع. لكنْ يبقى للمواطن أن يختار: هل يبقى مقيماً في الأكاذيب أم يعيش في الحقيقة مع ما يرافق ذلك من تضحيات؟ وتفضيل الخيار الثاني هو ما يعلن عن وجود سلطة ذاك المواطن المحروم من السلطة والقوّة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تعيش كمنشقّ يقيم «في الحقيقة» كيف تعيش كمنشقّ يقيم «في الحقيقة»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib