الخادم «الصغيرون»

الخادم «الصغيرون»

المغرب اليوم -

الخادم «الصغيرون»

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

شاهدني جالسةً أمام الشاشةِ أكتبُ مقالاً. كنت أمرُّ بنزلةِ بردٍ والسعالُ يخنقني، وعلبةُ المناديلِ الورقية تتهافت تحتَ يدي. قرأت في نظرتِه تعبيراً يتراوح ما بين الشفقةِ والسخرية. قالَ لي إنَّ الصحافيين توقَّفوا عن تدبيجِ مقالاتٍ من وحي الخاطر. هل أعيشُ في العالم القديمِ ولم أنتبه للتقدّم الجاري على مرمَى حجرٍ منّي؟

زميلِي يسأل «تشات جي بي تي» عن أفضلِ طبيبٍ للأسنان في المدينة، وعن المعنَى العميق لمصطلح «الفاشينستا»، وعن طريقة طبخ الكبة الموصلية أو المندي اليمني. يعطيه فكرة ويطلب منه أن يصوغها مقالاً. وهو راضٍ ومسرورٌ بما يحصل عليه من خدمات. بلغ من رضاه أنَّه أطلق على ذلك التطبيق تسمية «الخادم الصغيرون».

لماذا لا يكون لي خادم، أيضاً، على الأقل حتى التعافي من هذه الوعكة العصيبة؟ طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يكتب لي مقالة بحدود 400 كلمة عن تباشير الخريف واصفرار أوراق الشجر. وخلال دقيقة وصلني المطلوب. نص مكتوب بعربية لا يمكنني أن أنكر أنها سليمة، وموثق بمعلومات معقولة، تهبّ منه نسمات بحر بعيد وغيوم لطيفة ورفرفة نوارس.

لم أصدّق عينيّ وأنا خاشعة في حرم التكنولوجيا. كدت أبعث للذكاء الاصطناعي رسالة شكر وامتنان ونخدمكم في الأفراح. لكنني حين أعدت قراءة المقال المسلوق على عجل، خجلت أن أضع عليه توقيعي. ولم يكن ذلك من باب النزاهة والترفع عن التزوير، بل لأن أسلوب الذكاء الإلكتروني بلا روح.

وسألت نفسي: لو كنت المسؤولة عن التحرير، هل أنشر مقالاً رومانسياً حريرياً أملس مثل هذا؟ هناك دائماً من اعتاد مراوغاتي. يحتاج القماش الخام كثيراً من الصقل لكي يشفّ ويصبح حريراً. سيكشف اللعبة قارئ لبيب ويستغرب الغش المفضوح. وقد يعذر ويمر على النص مرور الكرام، في أفضل الأحوال، وفي أسوئها ينصرف دونما عودة.

تستهويني الروبوتات التي تهبّ لنجدة ربة البيت، وتؤدي لها مختلف الخدمات. تغسل الثياب. تعصرها وتجففها. تكوي القمصان وتطويها. تتحرك بمفردها وتدور لتكنس غرفة المعيشة. تحضّر قهوة الصباح. تُحمّص الخبز. تقطعه شرائح بسكين كهربائية. تطحن حبات الهيل. تحيل كتف الخروف إلى هبيط. تقلي أصابع البطاطا بالهواء. تملّس الشعر الأهوج. تقفل باب الشقة وتسدل الستائر وتطفئ الأنوار عند النوم. توقظك وقتما تريد على صوت فيروز أو حسين نعمة. ليت هناك إنساناً آلياً يلاعب الأحفاد ويدور بهم على ظهره «حمّال باشي».

هل أفرح إذا وضعني الروبوت على الرف واقتنص وظيفتي؟ رغم الحمى والسعال وتدميع العينين كنت سعيدة بالتجربة. ذلك أن غروري أوحى لي بأنني أستطيع، بقدراتي الطبيعية، أن أبزّ الذكاء الاصطناعي. ولا مانع عندي من دعوة السيد «تشات جي بي تي» وعائلته الكريمة إلى دورة تدريبية سريعة. ويُسمح باصطحاب الخادم الصغير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخادم «الصغيرون» الخادم «الصغيرون»



GMT 18:07 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

...عندما تبدو النجوم

GMT 18:06 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

السابقة الكبرى

GMT 18:02 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

‎سقوط الأوهام بعد الهجوم على الدوحة

GMT 17:59 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

أعمال الخير ليست في بناء المساجد فقط

GMT 17:57 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

من سمّ عمانَ إلى صواريخ الدوحة

GMT 17:55 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

تبعات العدوان الإسرائيلي على قطر

GMT 17:53 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

أين هي أميركا من التهور الإسرائيلي؟

GMT 17:50 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

بحيرة طبريا ونهاية الزمان

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 19:54 2018 السبت ,17 آذار/ مارس

الحجاب: فريضة أم أيديولوجية سياسية؟

GMT 09:32 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

"فيفا" يوصي بمتابعة اللاعب أشرف بنشرقي في "كأس العرب"

GMT 00:15 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

شركة صينية تكشف عن أول طرازاتها للسيارات الطائرة

GMT 03:22 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الألوان الجريئة تحتل قمة اختيارات ديكورات المنازل في 2019

GMT 17:07 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

رجل يصوّر زوجته عارية داخل فندق ويُهددها بنشر الفيديو

GMT 08:22 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"إيتا" الباسكية تنهي حقبة الدماء في إسبانيا

GMT 10:14 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

5 ميزات جديدة في تطبيق "واتساب" لمُستخدمي الأندرويد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib