استقرار تونس باستقرار ليبيا
أخر الأخبار

استقرار تونس باستقرار ليبيا

المغرب اليوم -

استقرار تونس باستقرار ليبيا

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

الترابط بين ليبيا وتونس ليس وليد اليوم، بل هو ترابط تاريخي، ولهذا فإن اضطراب ليبيا وعدم استقرارها أثر في الوضع الاقتصادي وحتى السياسي في تونس، فالبلدان تربطهما حدود طولها 460 كيلومتراً، تشكل عاملاً جغرافياً مهماً في التنقل والتبادل الاقتصادي، وشاهداً على حركة التنقل والهجرة عبر التاريخ بين البلدين، قبل أن تقيدها كتيبات السفر المسماة «جوازات السفر»، والحدود والجمارك.
ارتباط ليبيا وتونس تجاوز اللهجة المشتركة، وخصوصاً لغرب ليبيا، والعادات المتشابهة بنكهة المطبخ الموحد بأكلات شعبية من أشهى وأطيب المأكولات، يتصدرها «طبق الكسكسي» الضارب في تاريخي البلدين اللذين جمعهما تاريخ وطني مشترك زمن كفاح المستعمر، رغم اختلافه في البلدين بين فرنسي في تونس، وإيطالي في ليبيا.
ارتباط وتقارب ليبيا وتونس يعود لزمن الإمبراطورية القرطاجية، إلى الفتح الإسلامي ومروراً بحقبة الاستعمار العثماني، إلى عهد القذافي وبورقيبة اللذين أعلنا وحدة بين البلدين وإن كانت الأقصر عبر التاريخ (48 ساعة) ولم تدم طويلاً، إلا أن حالة الارتباط الاقتصادي بين البلدين حافظت على وضعها حتى في لحظات التوتر بين القذافي وبورقيبة، رغم كونهما ليبيين، فالرئيس بورقيبة من أصول ليبية، وكذلك هناك ليبيون آخرون من أصول تونسية كون البلدين قبل استقلالهما لم تكن هناك حدود تمنع التنقل والهجرة بينهما؛ بسبب علاقات المصاهرة والقرابة.
حتى الحالة السياسية في البلدين لا تختلف، سوى أن ليبيا تعرضت لعملية إسقاط دولة وإنهاك جيش وليس فقط إسقاط نظام؛ مما تسبب في بروز ميليشيات مسلحة، بينما في تونس سقط النظام فقط من دون أن تسقط الدولة.
لذا، لا يمكن أن يحدث استقرار سياسي أو اقتصادي في تونس، ما دام الوضعان السياسي والأمني في ليبيا يواجهان عديداً من المشكلات، حتى درجة الانسداد السياسي، صحيح أن تونس الباجي قائد السبسي، مارست سياسة النأي بالنفس عما يحدث في ليبيا من دون المشاركة بشكل فعال في حل الأزمة، في مقابل تدخل سافر على النقيض قامت به حكومة «النهضة» بالاصطفاف بجانب حكومة الميليشيات والإسلام السياسي ضد الجيش الوطني الليبي، مما انعكس سلباً على الحالة الاقتصادية في تونس، والسبب تجاهل حكومة «النهضة»، في وقتها، معالجة الأزمة في ليبيا من باب المصالحة والتقارب بين الأطراف، ولكن ما حدث كان العكس تماماً، حيث تدخل عراب «النهضة» وزعيمها راشد الغنوشي لصالح أقرانه من الإسلام السياسي في ليبيا، بل وتطاله اليوم هو ورئيس حكومته السابق اتهامات بنقل الشباب التونسيين ذكوراً وإناثاً، والتغرير بهم ودفعهم للقتال في ليبيا وسوريا باسم الدين وتحت شعار «الجهاد والنكاح»، عبر خطباء محسوبين على حركة «النهضة».
الحسابات الخاطئة لحكومة «النهضة» طيلة العشرية السوداء في ليبيا وتونس، حيث حكم أنصار الإخوان في كلا البلدين، تسببت في ضياع الاستقرار في ليبيا وتونس معاً.
ولعلَّ التكامل الاقتصادي بين ليبيا وتونس يبدأ من كونهما «بوابة أفريقيا»، بما يمثل إحدى أهم مراحل الخطوات الجادة نحو تعزيز العلاقات وترجمتها بشكل اقتصادي وصناعي بين البلدين اللذين يشكلان بوابة أفريقيا على الاتحاد الأوروبي.
الدبلوماسية التونسية كانت دائماً تستوعب الغضب الليبي، منذ زمن القذافي وشطحاته و«أحداث قفصة» والسجال بين بورقيبة والقذافي، إلى السجال الأخير والمفتعل من قبل الإسلام السياسي، مما دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، في سابقة لرئيس حكومة، للرد على تصريحات صحيفة تونسية وُصفت بـ«المستفزة»، ذكرت أن ليبيا «مأوى للإرهابيين»، فجاء رد الدبيبة متجاوزاً الدبلوماسية، حيث قال: «إن تونس هي التي جاء منها الإرهابيون إلى ليبيا خلال السنوات الماضية، وإنها بلد الإرهاب».
ولكن الحقيقة أن ليبيا وتونس كانتا ضحية للإسلام السياسي الذي استخدم العنف للتمكين في السلطة، فنقل الإرهابيين والسلاح بين البلدين؛ مما تسبب في مآسٍ للطرفين طيلة العشرية السوداء المشتركة بين ليبيا وتونس، استطاعت ليبيا وتونس اليوم تجاوزها.
على الرغم من سحابات الصيف العابرة في العلاقات الليبية التونسية، فإن الروابط التاريخية والجغرافية والشعبية المتجذرة بين البلدين، أكثر متانة وصلابة، وجعلت من الأمن القومي والاقتصادي مشتركاً مهماً بينهما، ولهذا فلا يمكن أن يتحقق أي نوع من الاستقرار في البلدين بمعزل عن البلد الآخر، وكذلك الحال في النهضتين الاقتصادية والصناعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقرار تونس باستقرار ليبيا استقرار تونس باستقرار ليبيا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 17:42 2023 السبت ,08 إبريل / نيسان

4.9 مليار دولار أرباح أدنوك للغاز في 2022

GMT 23:30 2023 السبت ,07 كانون الثاني / يناير

«تيك توك» تفرض قيودا على بعض المقاطع

GMT 15:08 2020 الجمعة ,29 أيار / مايو

حقائق تجهليها عن شهر العسل

GMT 10:29 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إدارة السجون تكشف مستجدات الحالة الوبائية

GMT 00:09 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لعبة Sekiro تفوز بجائزة لعبة السنة على متجر Steam

GMT 10:03 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

البدلة الرسمية على طريقة المُصمم العالم توم فورد

GMT 23:34 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أهم مميزات ومواصفات سيارة "BMW X7" الجديدة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib