ليبيا ما بعد الصدمة

ليبيا... ما بعد الصدمة

المغرب اليوم -

ليبيا ما بعد الصدمة

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

بعد كارثة الطوفان في ليبيا كان الحزن كبيراً، وشاطرنا فيه الملايين من إخوتنا العرب والمسلمين، الذين هبّوا للمساعدة باستثناء صوت نشاز لم يقدم شيئاً سوى الشماتة في الغارقين، هو السيد مقتدى الصدر، الذي شمت في ضحايا الفيضانات والسيول في ليبيا، وهذا ليس بأفعال الكرام، ولهذا لن نلتفت إلى شماتته في ظل عزاء ومؤازرة ملايين المسلمين والعرب والمسيحيين الذين هبوا لنجدة الغارقين في ليبيا، الذين شمت فيهم مقتدى الصدر بذنب لم يقترفه هؤلاء الغارقون، ألا وهو اختفاء موسى الصدر قبل أربعين عاماً في ظروف غامضة لا يزال الفاعل فيها مجرّد متهم (القذافي)، حيث لم تثبت التهمة عليه بعد، رغم اختفاء قبره هو الآخر.

بعيداً عن شماتة مقتدى الصدر والتوظيف السياسي لأزمة إنسانية، فإنَّ فيضانات ليبيا أظهرت أزمات كثيرة طفحت على السطح، بعد أن فاق الجميع من هول الصدمة، إثر ضرب الطوفان العاتي الشرق الليبي، وتحديداً إقليم برقة، وبعد أن أفسد الحرث والزرع والمباني وقتل الإنسان، لدرجة أن درنة المدينة الليبية الزاهرة الجميلة تحولت إلى خراب وموطن أشباح، ومهددة بانتشار الأوبئة، بعد ثبوت تلوث المياه الجوفية فيها بسبب تحلل الجثث التي لا يزال لم يُدفن منها أكثر مما دُفن، بسبب صعوبة الوصول إليها.

مأساة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، فالسماع عنها ليس مثل الحديث عنها من وسط المعاناة، ورؤية أكوام الجثث في الشوارع. إنها نازلة كبرى حلت بليبيا... عائلات كاملة من الأبوين والأبناء والأحفاد وحتى الأجداد قضوا نحبهم جميعاً، لدرجة أنَّ هناك عائلات لم نجد كيف نعزيها أو من يقبل عنها العزاء حتى من الجيران لموتهم جميعاً.

التكاتف والنصرة الشعبية كانا حاضرين بل وفاقا التدخل الحكومي، حيث سارع كل من الغرب الليبي والجنوب وترفّع كلاهما على أي خلافات سياسية وجاءا إلى الشرق الليبي محملين بالإغاثة ومعدات الإنقاذ، في مشهد سالت فيه الدموع فرحاً، رغم الحزن المسيطر على الساحة الليبية جميعها لهول الكارثة الإنسانية.

ما حدث يصنف على أنه كارثة «disaster»، مما يعني اتباع إدارة مخاطر الكوارث، وهي عملية تستخدم التوجيهات والمهارات والقدرات العملية اللازمة لتطبيق الاستراتيجيات والسياسات للمواجهة، من أجل تخفيف الآثار السلبية، ولكن في الحالة الليبية ورغم وجود قانون منظم لحالة الطوارئ واختصاصاته، فإن إدارة الأزمة في الأيام الأولى كانت بنظام «الهَبَّة» أو التطوع غير المنظم، مما تسبب في فقدان كثير من القدرات البشرية وإنهاكها في جهد كبير ومردود ضعيف، ولكن بعد وصول الفرق الخارجية العربية والأجنبية صاحبة الخبرة الطويلة، تغيّر الموقف وبدأت إدارة الأزمة تسلك مساراً أكثر نضجاً.

المشكلات كثيرة ومتجددة لأن الكارثة حقيقة، أكبر من الحكومتين المتنازعتين على الشرعية في البلاد، وتحتاج لإدارة مستقرة وتعاون وخبرة دولية تفتقر إليها المؤسسات الليبية العاملة في المجال في مواجهة كارثة بهذا الحجم، خاصة أن ليبيا ليست بلد كوارث لموقعها الجغرافي واستقرار المناخ فيها، مما تسبب في تكاسل السلطات السابقة في تجهيز وتدريب فرق إسعاف وطوارئ وإنقاذ وإخلاء يمكنها التعامل بشكل سلس وخبرة مع مثل هذه الظروف.

حالياً ولحُسن الحظ لم تنتشر الأوبئة رغم تكدس الجثث في أول الأيام، ويدعم هذا تقارير المنظمة الصحية التي تقول إن جثث ضحايا الكوارث هي أقل خطورة في نشر الأوبئة؛ كونها لضحايا أصحاء وليست لمرضى، كما أن سرعة دفنها بالطرق الصحيحة سيجنب المنطقة انتشار الأوبئة.

ولكن المشاكل لا تنتهي، وسيبقى مصير أطفال درنة الذين فقدوا ذويهم قضية أخرى من حيث معالجة اضطراب ما بعد الصدمة خاصة للأطفال، وهذا يحتاج فرق الدعم النفسي المدربة، التي لا بد أن تباشر أعمالها الآن بسرعة من الزمن؛ خوفاً من الانعكاسات النفسية، وحتى لا يعاني هؤلاء الأطفال خاصة من كوابيس وأمراض أخرى في ظل غياب الدعم النفسي، الذي يتجاهله الناس، ويرونه ترفاً في ظل ظروف الإغاثة الطارئة، بينما يراه العالم المتقدم والطب من الأولويات مثله مثل تقديم الماء والطعام للناجين من الكارثة.

الدرس المستفاد للجميع من الكارثة هو وضع خطط مستقبلية للحد من مخاطر الكوارث بعد أن أصبحت الأعاصير والفيضانات وحتى الزلازل ضيوفاً غير مرحب بها في بلاد العرب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ما بعد الصدمة ليبيا ما بعد الصدمة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية

GMT 14:41 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

تصرفات عقارات دبي تربح 3.43 مليار درهم في أسبوع

GMT 16:21 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الملفوف " الكرنب" لحالات السمنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib