نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

المغرب اليوم -

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

ليبيا منكوبة بتغييب سيادة الدولة، وشغور منصب الرئيس، وبتنازع حكومتين الشرعيةَ في البلاد... فقد أصبحت ثروات ليبيا بين مهدورة ومنهوبة، وما «برنامج مقايضة المحروقات بالنفط» إلا دليل على إهدار ثروة النفط والغاز؛ الغاز الذي تتجاهله تقارير الحكومة و«البنك المركزي»، وهو لا يقل أهمية، ومن ناحية الحجم المالي كذلك، عن النفط الذي يهرّب أغلبه خارج البلاد ولا يستفيد منه المواطن. وقد تضخمت ميزانيات الحكومات المتنازعة إلى أكثر من الضعف، في ظل سوء صرف الأموال، لدرجة أن إحدى حكومات ما بعد «فبراير» أنفقت أكثر من مليار دولار في قرطاسية مكتبية لديوانها، بينما عجزت عن توفير الدواء وأمصال الأطفال... حتى قال رئيس مجلس النواب: «تمسُّك رئيس الحكومة بالبقاء في السلطة أوصل البلاد إلى انقسام وفساد إداري ومالي». وأيضاً يدلل على تضخم الميزانيات بيان الإيرادات والنفقات لعام 2024 الصادر عن «مصرف ليبيا المركزي»، الذي يتضمن عناصر تحتاج إلى تحليل عميق، ومنها المبيعات النفطية وإيرادات الاتصالات، حيث إن إيرادات النفط بلغت 17.8 مليار دولار، بينما يُفترض أن تصل إلى 25.79 مليار دولار، مما يعني وجود نقص يقدر بنحو 8 مليارات دولار لم تورّد إلى «المصرف»، فأين ذهبت؟

في ظل أرقام مكذوبة بشأن إنتاج النفط الليبي، فإن منظمة «أوبك» تدحض أكاذيب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المنتهي الصلاحية والولاية، ومعه منتحل صفة وزير النفط المطلوب في قضايا لدى مكتب النائب العام، بالإضافة إلى أكاذيب رئيس «المؤسسة الوطنية للنفط». كل المسؤولين في الدولة الليبية يمتهنون الكذب؛ يكذبون كما يتنفسون.

سابقاً المبعوث الدولي، غسان سلامة، قال: «هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا، والطبقة الوسطى تتقلص يوماً بعد آخر، والطبقة السياسية لديها كمٌّ كبير من الفساد يندى له الجبين. ثروات طائلة تنتج عن المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا... يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج»، وهذه شهادة من مندوب أممي وُصف بالنزاهة والحياد في تعاطيه مع الأزمة الليبية، ولم يتورط داخل أي مسالك وعرة في دهاليز الأزمة بليبيا؛ مما دفع به إلى الاستقالة.

استمرار نهب وإهدار المال العام جدد مطالبات النخب الليبية للسيد النائب العام وديوان المحاسبة بتصعيد إجراءاتهما بما يحمي المقدرات والثروات الوطنية من النهب الممنهج الذي تتعرض له في الداخل والخارج؛ مما يعرّض اقتصاد البلاد للانهيار والإفلاس، ومن ثم وقوعها فريسة سهلة لـ«البنك الدولي» مفلس الشعوب والدول.

ليبيا تعاني بسبب اقتصادها الريعي منذ سبعينات القرن الماضي بعد تأميم شركات النفط وكل البنوك، التي كانت كلها أجنبية خالصة، وجعلها شركات وبنوكاً ليبية خالصة، إلا إن ليبيا لم تخرج من عباءة الاقتصاد الريعي، الذي بسببه فشلت الصناعة والزراعة بصفتهما بدائل أخرى للنفط والغاز؛ بسبب «ثقافة المُرَتَّب والاتكالية على الدولة».

الأموال الليبية اليوم في بنوك العالم بين التجميد والنهب الممنهج، والبداية كانت منذ أن أصدر مجلس الأمن قراراً بتجميد أرصدة ليبيا. ووفق موقع «دويتشه فيله» الألماني، فإن «حجم أموال ليبيا التي جنتها من عائدات النفط منذ عام 1969 يقدر بثلاثة تريليونات دولار»، لا أحد يعلم، طيلة 42 عاماً، كم صُرف منها، وكيف صُرف، ولا كم تبقّى منها طيلة أكثر من «عَشْرٍ عِجاف» تلت حكم القذافي؛ حيث حكمت الفوضى.

لعل خطورة تسييس قطاع النفط، وتأثير ذلك على الاقتصاد الليبي خصوصاً، تدفع بالحريصين على استقرار البلاد إلى الشعور بالقلق والتخوف على مصير الاقتصاد في بلاد مصدر دخلها الرئيسي هو النفط، وأيضاً الغاز المفقود والمنهوب دون أي حديث عنه حتى إنه لا يُدرج في حسابات «البنك المركزي»؛ فقط يدور الحديث عن النفط؛ بل حتى الوزارة اسمها «وزارة النفط»، والمؤسسة المنوط بها استخراج وبيع النفط والغاز تسمى «المؤسسة الوطنية للنفط»، دون أي إشارة إلى الغاز الذي لا يقل حجم إنتاجه عن حجم إنتاج دول تحتل المراتب الأولى في إنتاجه.

نهب ثروة النفط ليس في مجرد الحسابات والأرقام، بل حتى في اختفاء أي إحصاءات حقيقية عن الإنتاج والعائد والفارق في الأسعار؛ مما أدى إلى استمرار نهب النفط والغاز الليبي حتى الآن دون رقيب حقيقي على ما يسمى في ليبيا «قوت الليبيين»، بينما، في واقع الحال، حُمّل الليبيون تبعات العجز في الميزانية، الذي وصفه «المحافظ» بالإنفاق الموازي «مجهول المصدر»، في إشارة إلى وجود حكومتين في البلاد. ويجري تجاهل التقارير التي تتهم المحافظ بدفع مبالغ طائلة إلى ميليشيات مسلحة ولمزيد من التسليح، دون أي سند قانوني... بل تصرّف المحافظ في الودائع الليبية دون الرجوع إلى السلطات التشريعية، كما حدث مع الودائع الليبية في تركيا، ومحاولات نهبها بعناوين مختلفة ومبررات واهية.

النهب الممنهج للنفط والغاز وباقي الثروات يحدث وليبيا تطفو فوق أكبر بحيرة نفط وغاز في أفريقيا، وتدني مستوى المعيشة أصبح من المظاهر البارزة بين الليبيين؛ بسبب سوء إدارة الحكومات المتعاقبة عوائدَ النفط الضائعة بين النهب والإهدار، فكيف ستكون حال ليبيا عند نضوب نفطها إذا لم تستفد منه الآن في خلق بنية تحتية عظمى؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib