زمن خطف شعب العراق انتهى

زمن خطف شعب العراق انتهى

المغرب اليوم -

زمن خطف شعب العراق انتهى

د.ماجد السامرائي
بقلم: د.ماجد السامرائي

مافيات القتل والفساد والتبعية لا تفهمُ تقاليد وقدرات الشعوب ومن بينها قدرة شعب العراق على طرد المحتل وإن تفنن بأغطيته المتهرئة، وسيعيد الثوار بلدهم لأهله بسلميتهم التي تشكل علامة متقدمة في العصر الحديث.
انقلب قادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في العراق على ادعاءاتهم الفكرية الإسلامية الأولى حين ارتموا في أحضان نظام ولاية الفقيه عقائدياً بعيداً عن التشيّع العربي وفكره السياسي، وأصبحوا أدوات بيد ذلك النظام المشحون بفكرة الانتقام من العراقيين والطامح إلى جعل العراق قاعدته الأولى لمشروع تصدير الثورة الخمينية الخامنئية، وتحول أكثرهم تصدياً لنظام صدام إلى جنود مطيعين لتعليمات الحرس الثوري الإيراني في محاربة جيش العراق، فقتلوا وأسروا الكثير من أفراده خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية.
كانت أولى فضائح عدم صلة تلك الأحزاب والزعامات بالفكر الإسلامي الشيعي غياب أدنى التقاليد الأخلاقية في العمل السياسي واقترابها من تقاليد مافيات المخدرات، لا صداقات ولا تحالفات دائمة، والقتل هو الوسيلة الأولى للوصول إلى هدف المال أو الزعامة. ومنذ الأيام الأولى من وصولهم إلى العراق عام 2003 تحت جناح المحتل الأميركي تم قتل غريمهم في المرجعية الشيعية عبدالمجيد الخوئي الذي حاول استعادة مرجعية والده، واتهم مقتدى الصدر بتلك الجريمة، ثم تم اغتيال الرجل الأول في المجلس الأعلى محمد باقر الحكيم، واتهمت طهران بذلك لخشيتها من احتمالات تحوله نحو الاستقلالية الشيعية في العراق، ثم خروج غالبية الجيل الأول من مثقفي تنظيم حزب الدعوة بالطرد أو الاستقالة.
هذه القطيعة بين الفكر والسياسة وتلك التنظيمات والزعامات هي التي أغرقتها منذ وقت مبكر من الحكم بدوافع الانفراد بالحكم والانقلاب حتى على حلفاء الأمس الأكراد، وإشاعة الكراهية والانتقام والثأر من المعارضين السياسيين وقمعهم. خَدَمتهم في المرحلة الأولى أكذوبة “الأغلبية العددية الشيعية” التي مزقتها ثورة أكتوبر 2019. وقد وضعت وقائع السبعة عشر عاماً قيادات الجيل الأول من الحكام الشيعة في خانة الشلة الخائنة لوطنها، الناهبة للمال والمسّلمة لمقدراتها للجيل الثاني، بعد نهاية تنظيم داعش عام 2017، المتمثل بالميليشيات المسلحة ذات الواجهات السياسية في البرلمان والسلطة، وهي أكثر انكشافا وقبحا في التعبير عن نفسها كأدوات سياسية وعسكرية إيرانية صرفة، لا تتردد في جعل طهران مقرا مركزيا لخطاباتها الإعلامية بعد محاصرة الولايات المتحدة لأفرادها في الشهور الأخيرة.
لهذا من العبث وضع المساطر السياسية على أزمة السلطة الحالية في قبول وزارة محمد توفيق علاوي من عدمه. التفصيلات الإدارية ليست المشكلة، فالمسطرة الأولى هي الإصرار على إبقاء النفوذ السياسي والأمني لنظام ولي الفقيه، وأدواته الميليشياوية هي المتحكم الأول في ماكينة السلطة. علاوي يعلم هذه الحقيقة ويتصرف بموجبها، والحلفاء الأكراد القلقون على مصيرهم المستقبلي في شراكة السلطة يعلمون هذه الحقيقة، ويحاولون خلق موازنة هجينة أجلها محدود. ورغم أن السنة هم الحلقة الأضعف في معادلة الحكم وعليهم قبول ما يقدم لهم من فتات، لكن صنف التجار بينهم من انخرطوا في اللعبة بعد اكتشافهم أنها ليست حقلا سياسيا وإنما هي لعبة مصالح قريبة من المافيات.
اعتقد أصحاب أدوات القتل والتدمير أنهم استحكموا بمنظومات تبعية العراق لإيران في تفسير متجدد لنظرية الإمبراطورية الفارسية التي حكمت العراق لقرون دون الاعتراف بنهايتها المذلة، وأن وسائلهم في القتل والتدمير ونهب المال وإبقاء البلد خارج العصر كفيلة ببقاء شعبهم ذليلاً خانعاً، وعلمهم معلموهم في طهران أن هذا الشعب سيحتاج إلى قرون مقبلة ليستعيد حياته ونهضته من جديد، وقد تسرّب هذا الإحباط لجيل عراقي امتد إلى أربعة عقود مضت والذي استسلم لنظرية تقليدية قادته إلى ذات التفسير الذي ذهب إليه المتسلطون.
لكن ما حققه الاختراق الثوري لهذا العفن السلطوي والاستسلام الشعبي هو انتفاضة الشباب في الأول من أكتوبر 2019 التي تحاول بثمن غال من الدماء استعادة العراق من اختطافه على أيدي التتار الجدد في طهران، وإزاحة أدواتهم في العراق.
ورغم ما يبدو على الواجهة من مظاهر تحكم الميليشيات وأحزابها لكنها في اللحظات الأخيرة مآلها الرحيل عن العراق، وهذه حتمية الثورات، وإذا كان من العراقيين من يعلن الندم وينضم إلى الثوار فالفرصة أمامه. وستفشل آخر التدابير والإجراءات البوليسية التي تحاول النيل من استمرار الانتفاضة من قبل الزعامات السياسية للميليشيات حيث يتداولون فيما بينهم حالياً بأن هؤلاء الشباب المتظاهرين هم مجموعة أطفال ستتم إزاحتهم بالقوة من ميادين الاعتصام قريباً، إلا أن جميع وسائل القتل منذ أربعة شهور وكذلك حملات التشكيك الرخيصة الطاعنة بنظافة جسم الثورة الطاهر عجزت عن تعطيلها.
مافيات القتل والفساد والتبعية لا تفهمُ تقاليد وقدرات الشعوب ومن بينها قدرة شعب العراق على طرد المحتل حتى وإن تفنن بأغطيته المتهرئة، وسيعيد الثوار بلدهم لأهله بسلميتهم التي تشكل علامة متقدمة في العصر الحديث، كما سيعيدون فرض السياسة الحقيقية المتجددة حين يصبح المواطن سيداً على نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن خطف شعب العراق انتهى زمن خطف شعب العراق انتهى



GMT 22:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سباق التسلح الجديد؟

GMT 11:26 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

GMT 11:25 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

سر الأردن.. بعد 79 عاما من الاستقلال

GMT 18:02 2025 الجمعة ,23 أيار / مايو

بناهي ينتظر «سعفة» بينوش!

GMT 19:59 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حياة عادية

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018

GMT 01:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الفنان محمد بشير يقدم ألبومه الغنائي الأول " احذر هلاكك "

GMT 21:22 2014 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

رئيس شبكة "غوغل بلس" الاجتماعيّة يستقيل من منصبه

GMT 14:20 2016 الجمعة ,17 حزيران / يونيو

من المهد إلى هذا الحد / 2

GMT 21:45 2016 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أنسولين جديد لتحسين التحكم بنسبة السكر في الدم

GMT 18:34 2015 الأحد ,14 حزيران / يونيو

آيس كريم فراولة

GMT 21:30 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

عرض مسرحية "ليلة من ألف ليلة" في البيت الفني للمسرح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib