حادث فردي وهراوات جماعية

حادث فردي وهراوات جماعية

المغرب اليوم -

حادث فردي وهراوات جماعية

سمير عطاالله
بقلم- سمير عطا الله

أعلن ناطق عسكري سوداني أن حادث اقتحام مكاتب «العربية» و«الحدث» كان فردياً. ولا نعرف من أي جيل هو السيد الناطق، لكن الأرجح أنه من جيل الطباعة ورائدها غوتنبرغ، أو على أبعد تقدير من جيل الإذاعة ورائدها يونس بحري صاحب الشعار الشهير «هنا برلين - حي العرب».
أما العصر التلفزيوني فهو، على نحو خاص، معضلة الناطقين العسكريين العرب؛ لأن فيما كان الناطق ينفي، كانت كاميرات مكاتب «العربية» تصور. والصور لا تظهر «فرداً» يحمل عصا طويلة ويكسر ويحطم ويوقع الموظفين على الأرض، بل مجموعة «أفراد» في ثياب عسكرية واضحة، يضربون يميناً ويساراً ويصرخون ويهددون ويعتدون ويقلبون مكاتب صحافية غير مسلحة بعنف عسكري مدروس ومقصود وفعلاً لا يصدق. إنها وحشية فردية لا يمكن أن تقوم بها فرقة عسكرية، لا في حق الإعلام بصورة عامة ولا في حق الجيش ولا في حق السودان، وأخيراً، ليس في حق اللغة العربية، التي ليس فيها لتعريف الفرد سوى أنه إنسان واحد وليس مفرزة ولا فصيلاً ولا فرقة من المتوحشين الذين ينفذون أوامر واضحة.
هذا لا يعني أن المدنيين لا يكذبون ولا يواجهون الأقلام بالهراوات الطويلة تناسقاً مع حامليها، لكنهم على الأقل، أكثر حرصاً على اللغة وأكثر دقة في استخدامها، ولأن العسكر اختطفوا السلطة في السودان منذ البداية، فقد أصبح الصواب والخطأ في اللغة مسألة نسبية كما في السياسة. وكانت للعسكريين أولويات أخرى، كالوحدة. أي الخارجية لا الداخلية. والدليل الكبير أيضاً في السودان، حيث أصبح الجنوب في الجنوب ودارفور في المحكمة الدولية. كل بلد فيه عسكر يتمتع بالوحدة الكبرى في انتظار يوم تصبح فيه الوحدات الداخلية محتملة: سوريا والعراق وليبيا واليمن، مثالاً.
عندما عرض عسكر السودان على أنفسهم أن يتقاسموا السلطة مع المدنيين، انقسم الناس في ردود الفعل. البعض قال إنه حل وسط ينهي المأزق، والبعض الآخر أن الحل لن يعيش، لأن النصف الذي يطلبه العسكر من السلطة هو في الحقيقة النصف الذي يرمي النصف الآخر في أول فرصة. وهذا تماماً ما حدث: السودانيون في الشوارع يسألون ماذا حدث للاتفاق، والعسكر يسألون عن أي اتفاق نتحدث. وفي الساحات قتلى وأصحاب هراوات غليظة ينسون أننا لم نعد في عصر الورق، وأن الكاميرات تصور الآن «الأفراد» الذين لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء استبدال الثياب العسكرية.
لم أكن للحظة واحدة بين الذين حاولوا أن يقنعوا أنفسهم بأن الحل بالمناصفة ممكن بين حامل المسدس (أو العصا الغليظة) وبين العقل المدني. وكنت أشبه ذلك دائماً بحكاية جدي لأمي الذي كان يقترح علينا ونحن صغار، أن نلعب معه «بالحزازير»: إذا خسرنا نشتري له «ملبس»، وإذا ربحنا نشتري له «فستق».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حادث فردي وهراوات جماعية حادث فردي وهراوات جماعية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 02:17 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

القبعات القش تتصدر قائمة أحدث صيحات الموضة

GMT 05:46 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

شركة "لفيت" تنافس بأقوى سيارات الدفع الرباعي في العالم

GMT 10:29 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل ألوان احمر الشفاه لشتاء 2020

GMT 15:59 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "هوندا" تكشف عن سيارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي

GMT 17:56 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

اللاعب محمد الناهيري يعود إلى الفتح الرباطي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib