عقوبة الوحشة الكبرى

عقوبة الوحشة الكبرى

المغرب اليوم -

عقوبة الوحشة الكبرى

سمير عطاالله
سمير عطاالله

أكدت لنا «كورونا» جميعاً أن الإنسان كائن اجتماعي غير قادر على تحمل العزلة والعيش منفرداً. لذلك، انتقى «السادي» الذي كلف تنويع العقوبات على المحكومين، عقوبة الانفراد. العزلة التي فرضتها كورونا عكّرت مزاج البشرية بأجمعها، مع أنه لا شعور بالذنب أو بالإهانة لدى سجناء كورونا؛ فقط شعور بالإحباط العميق والخوفمن المجهول. إلى الآن، لا أحد يعرف من ومتى وكيف سوف تلحق الهزيمة بهذا العدو المرعب، أو على الأقل عقد هدنة معه، ووقف اجتياحه متخفياً في أساطيل فتاكة لكنها لا تُرى.

وباء مريع يحكم على سكان الكوكب بالتعذيب والموت، خصوصاً بالسجن المنفرد الذي كان بعض الزعماء العرب يضعون فيه رفاقهم وأصدقاءهم؛ كثيرون منهم دخلوا زنزانة العتم ولم يروا النور بعدها.

العزلة تفكك الأواصر، وتضرب المجتمعات، وتلغي الألفة، وتباعد بالصداقات. وعزلة الأوبئة تجعل من كل إنسان عدواً في الشارع، والمكتب، والمصنع، والثكنة، والمستشفى، والمطار، والجامعة.

هكذا، حكم كورونا على كل منا أقسى الأحكام: أن ينفرد بنفسه، ويقبع في مواجهتها الليل والنهار، يسائلها وتسائله، ولا يجيب أحدهما الآخر، يعتذر منها وتعتذر منه، ويصفحان ولا يصفحان. فجأة، يبدو هذا الكوكب مثل مكان بلا أبواب ولا نوافذ، في انتظار أن يكتشف الإنسان عقاراً لجرثومة رماه بها وطواط في الصين. والآن، يهدده حيوان ذو فراء يدعى «المنك». وإذا كان الوطواط الصيني مليئاً بالجراثيم، ويباع في سوق موبوءة، فإن المنك يعيش في الدانمارك، إحدى أنظف بلاد الأرض وأرقاها نظاماً صحياً.

اخترع غابرييل غارسيا لأشهر أعماله الروائية «مائة عام من العزلة» (1967) مدينة لا وجود لها، سماها «ماكوندو»، وصنع أشخاصها من الواقع والخيال. العزلة هنا، أو بالأحرى البطلة، هي الانتصار عليها. إنها أقصى وأقسى المواجهة مع النفس، خصوصاً عندما تكون مفروضة عليك، في حرب لا علاقة لك بها. فجأة، تفيق وترى الناس من حولك تكدس المؤن، وتقف في طوابير التقنين والإعاشة، وتتدافع بفظاظة، تماماً كما يحدث عشية الحروب أو غداتها. وترى الرفوف أمامك فرغت، والذين وصلوا متأخرين ظهرت على وجوههم خيبة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقوبة الوحشة الكبرى عقوبة الوحشة الكبرى



GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

GMT 13:16 2025 السبت ,28 حزيران / يونيو

حكومة فى المصيف

GMT 15:46 2025 الجمعة ,20 حزيران / يونيو

ترمب... وحالة الغموض

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib