خطبة آداب العرب

خطبة آداب العرب

المغرب اليوم -

خطبة آداب العرب

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

كان المعلم بطرس البستاني من أوائل الرواد الذين كرسوا حياتهم وأعمالهم من أجل الحفاظ على «أشرف اللغات»، ترك البستاني (1819 - 1883) الكثير من الأعمال، أهمها وأشهرها قاموسه الجليل «محيط المحيط». أمضى حياته في تعليم اللغة وشرحها والدفاع عنها وعن أهمية الإسلام في نشرها عبر العالمين. الآن أعادت «دار نيلسون» مع مقدمة لصاحبها الأستاذ سليمان بختي، نشر «خطبة في آداب العرب» التي اختصر فيها «المعلم» أسباب وأحوال عصور الازدهار والتراجع.

يقول البستاني إن جيل العلوم العربيّة الذهبي لم يبتدئ في الشرق إلا بعد قسمة المملكة الإسلامية وقيام بغداد. وكان لهارون الرشيد «شهرة عظيمة في الرغبة والآداب ونشرها في مملكته المتسعة». غير أن أغسطس العربي، وفقاً للبستاني، كان «الخليفة عبد الله بن هارون الرشيد». فإنه لما أمضت الخلافة إليه، تمم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه، وكان منذ نعومة أظافره مولعاً «بالمطالعة والدرس، وقد اتخذ في حيوة والده صحابة له من مشاهير علماء اليونان والعجم والكلدان، ولما تبوَأ تخت السلطنة، لم تلههِ مهماتها وعظمتها عن الاعتناء بالعلوم والقيام بحقها وحق أربابها. فكان الشعراء والفلاسفة والمهندسون تتوارد إليه في بغداد من كل بلاد وملة. وقد أمر سفراءه ونوابه في أرمينيا وسوريا ومصر أن يجمعوا ما يمكن وجوده فيها من الكتب الأكثر اعتباراً، ويبعثوا بها إليه. فكانت ذخاير آداب الأقاليم التي تغلَّب عليها، تُجمع بكل اعتناء، وتوضع أمام عرشه كأعظم جزية وأفخر التحف والهدايا عنده. فكنت ترى مئات من الجمال داخلة بغداد حاملة كتباً من آداب اليونانيين والعبرانيين والعجم».

«لهذه الأسباب»، يقول المعلم مبتهجاً، كان «أهل العلم مصابيحُ الدُجى، وسادة البشر، توحش الدنيا لفقدهم». وقد انتشرت المدارس والمعاهد في كل مكان وتوجّهت في دمشق وحلب وبلخ وسمرقند وأصفهان. هنا يتوقف المعلم ليقول «ولا ينبغي أن نغفل عن ذكر «القيروان وفاس ومراكش» من أعمال المغرب التي كانت مزينة بمدارس سامية ومكاتب معتبرة لأجل تعليم المغاربة «الذين كانوا قديماً» ولم يزالوا إلى الآن في أعلى طبقة من الحذق والنباهة. فبواسطة مدارس المغاربة ومكاتبهم المشهورة قد حُفظ للغيرة الإفرنجية في القرون المتأخرة، ذخاير ثمينة وكنوز فاخرة من العلوم والفنون. وضع العرب مؤلفات كبرى في علم الفلك والتاريخ ورسم خرائط الأرض، وفي الفلسفة والطبيعيات والحساب والجبر والمساحة والزراعة والنباتات والموسيقى والفقه والكهانة والعرافة وضرب الرمل وزجر الطير وقيافة الأثر والسحر والطوالع، «وقيل إنه يوجد في مكتبة باريس الملكية أكثر من 200 مؤلف في صناعة النحو وحده». وممن كان فرد زمانه في فنه أبو بكر الصديق في النسب، وابن أبي طالب في القضاء، وابن كعب في القراءة، وابن ثابت في الفرايض، وابن عياش في التفسير، ووهب في القصص، وابن سيرين في التعبير، وأبو حنيفة في الفقه، ومقاتل في التأويل، والخليل في العروض، والمتنبي في الشعر، والأشعري في الكلام، والحريري في المقامات، والرازي في الطب، وابن حنبل في السنة، وأبو معشر في النجوم، وابن نباتة في الخطب، والقاضي الفاضل في الإنشاء، والأصمعي في النوادر، وابن سينا في الفلسفة، وابن جابر في الكيمياء، وأبو الغدا في التاريخ، والفارابي في الطبيعيات، والإدريسي في الجغرافيا، والغزالي في الإلهيات، وغيرهم في غيرها. هذا ولا ينبغي أن ننسى أخوتنا الأعجام الذين تعلموا لغتنا العربية وزينوها بتصانيفهم المدققة. ومع أن الإفرنج قد أخذوا «تلالاً»، لا بل «جبالاً» من الكتب العربية مما لم يبقَ له عين ولا أثر عند العرب، نرى أن التصانيف التي أبقتها لنا «صُروف الأيام هي وحدها كافية».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطبة آداب العرب خطبة آداب العرب



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:27 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

معرض الرياض للكتاب يختتم أعماله اليوم

GMT 06:18 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

"سامسونغ" تطلق أقراص تخزين خارجية بأسعار منافسة

GMT 03:37 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

المدير التنفيذي لإنتر ميلان يعلق على صفقة حكيمي

GMT 21:20 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

محاولة اغتيال فنان عراقي شهير على يد مجهولين

GMT 18:44 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن يكشف تفاصيل سقوط شرطي من مدرجات ملعب محمد الخامس

GMT 03:13 2019 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

بريانكا شوبرا تطل بتصاميم "كاجوال" في شوارع "نيويورك"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib