في ذكرى صاحب المزرعة

في ذكرى صاحب المزرعة

المغرب اليوم -

في ذكرى صاحب المزرعة

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

بعث أديب شبه معروف يُدعى جورج أورويل بمخطوطة عنوانها «مزرعة الحيوان»، إلى دار نشر أميركية، يرأسها كبير شعراء الإنجليز أوائل القرن الماضي «تي.إس. إليوت». يقلّد الكتاب إلى حدِّ بعيد أدباء الثورة الكبار، وأشهرهم عبد الله بن المقفع، الذي قلده أيضاً الفرنسي «دي لافونتان».

كان إليوت يعرف القليل عن أورويل، وكان يعتقد من خلال هذا القليل، أن صاحب المؤلّف الجديد تروتسكي النزعة، من متطرف في اليسار؛ ولذلك أراد أن يخفي مواقفه الحقيقية باستخدام شخصيات من عالم الحيوان. دببة، وخنازير، وسعادين. نابليون، وستالين، ولينين. قرأ إليوت النص، لكن على ما يبدو لم يُعجب به كثيراً. فجلس وراء مكتبه في دار «فايبر وفايبر» وراح يكتب رسالة مطوّلة إلى صاحب المخطوطة، خلاصتها في كلمة واحدة أن الرواية «غير مقنعة، وبالتالي غير صالحة للنشر».

تحولت «مزرعة الحيوان»، واحدةً من أهم الأعمال الأدبية بكل اللغات. ولا تزال إلى يومنا هذا بين الكتب الأكثر مبيعاً في العالم. والعمل غير المقنع أصبح أحد أهم الآثار في اللغة الإنجليزية، لا ينافسه في الشهرة والمكانة إلا قصيدة «أربعاء الرماد»، أو قصيدة «الأرض اليباب» لصاحبهما الرجل الآخر، تي. إس. إليوت. تمرُّ اليوم 75 عاماً على غياب أورويل، الذي كرّس حياته غير المديدة من أجل محاربة الرأسمالية والشيوعية على السواء. لم يكتف بقتالهما في أعماله الأدبية، بل شارك، مثل إرنست همنغواي، في الحرب الأهلية الإسبانية مقاتلاً الفاشيين. وفي الإجمال، عاش أورويل حياة بائسة ما بين الفقر والزواج السيئ. وقيل إنه كان ذا غراميات كثيرة أكثرها فاشل. ومع أن إليوت كان أيضاً بائساً في الزواج، إلا أنه عاش ذائع الصيت بين النساء. كما أنه بسبب عمله مديراً بمصرف شهير ميسور الحال. غير أن الكآبة غلبت على نتاج الاثنين معاً. وكان كلاهما واسع الثقافة. ولأن أورويل حصر نفسه في القضايا السياسية، فإن إليوت أبحر عميقاً في الأدبيات والمعتقدات والأساطير، وحوّلها جميعاً نصوصاً حديثة فائقة الجمال.

تلازمت مسيرتا العملاقين رغم جميع الفوارق الأخرى: إليوت بالغ الشهرة والنفوذ في عالم الأدب والنشر، وأورويل يحدو بطيئاً في العالمين، بل يقول بعض النقاد إن أورويل تأثر كثيراً بأعمال إليوت رغم تكوينه الاشتراكي الحاد، الذي جعل البعض، مثل إليوت، يعتبرونه شيوعياً، وحتى تروتسكياً. بعد غيابه، أجمع النقاد الكبار على أنه كان «اشتراكياً واقعياً» لا أكثر ولا أقل. وبصرف النظر عن توصيفه وعن سيرته المثيرة ما بين ولادته في بورما، وحياته في أوروبا، فإن مجموع النتاج الأدبي جعله من حيث الشهرة على مقربة من دائرة شكسبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكرى صاحب المزرعة في ذكرى صاحب المزرعة



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:23 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 07:41 2022 الأحد ,20 شباط / فبراير

أبرز صيحات حفلات الزفاف في عام 2022

GMT 15:23 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

راديو "إينرجي" لا ننافس أحدًا ونستهدف جمهور الشباب

GMT 11:43 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مغسلة توحي بالملوكية والرقي

GMT 18:27 2024 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

هجوم إلكتروني يعطّل مواقع البرلمان الإيراني

GMT 20:20 2020 السبت ,04 إبريل / نيسان

حقائب ونظارات من وحي دانة الطويرش

GMT 07:52 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

"جاك ما" أغنى رجل في الصين تم رفضه في 30 وظيفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib