إيران وتجرّع كأس السم

إيران وتجرّع كأس السم

المغرب اليوم -

إيران وتجرّع كأس السم

بقلم - هدى الحسينيي

في العالم العربي عموماً هناك اعتقاد بأن الأحداث هي نتاج مؤامرات سياسية تُحاك في مراكز قرار الدول الكبرى، ويذهب البعض بعيداً إلى نظرية «المتنورين» من سلاطين المال والصناعة والتكنولوجيا الذين يُعتقد أنهم يقررون مجرى الأحداث ويصنعون القادة ويزيلونهم. ولعل سبب هذا الاعتقاد أنه الطريقة الأسهل لتفسير الأحداث؛ إذ توفر الغوص في التفاصيل وقراءة الخلفيات. طبعاً هناك مؤامرات في السياسة، ولكن ليس كل ما يحدث من حولنا مؤامرة. هناك عوامل تتعرض لها المجتمعات، بعضها لا إرادي، مثل الكوارث الطبيعية والأوبئة التي يمكن أن تؤثر على مجريات الأحداث وتؤدي إلى تغييرات. وهناك أحداث تقع نتيجة أخطاء القادة والأنظمة وفشلها في التطور وتقويم الأخطاء، وانقسام بعضها على بعض، فيحدث خلل يسمح للمؤامرة بالتغلغل وأن تفعل فعلها.

في إيران القرار بنهاية المطاف هو للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي حكم البلاد فعلياً قبل موت الخميني في 3 يونيو (حزيران) 1989. وقد آمن علي خامنئي بفكر تصدير الثورة منذ أن كان أستاذاً للفقه والاجتهاد في السبعينات من القرن الماضي، ومارس فكره بدعم من رجال الدين المحافظين، فكان أن أُنشئت أذرع تابعة لـ«الحرس الثوري» المرتبط مباشرة بالمرشد، ودُرّبت وسُلّحت ومُدّت بالمال دون حدود، ونجحت في السيطرة على مجتمعات، وتوسعت حتى خارج منطقة الشرق الأوسط. إلا أن نجاح تصدير الثورة، أو بالأحرى تمدد السيطرة الإيرانية، كان يقابله وَهَنُ البيت الداخلي الذي عَمّه الفقر والبطالة والعوز وغضب الشباب الذين لم تكن مؤازرة «حزب الله» و«الحوثيين» و«الحشد الشعبي» من أولوياتهم، بعد أن فقدوا الأمل في مستقبل واعد يحقق طموحاتهم. وقد ثار الشباب في أنحاء البلاد بعد قتل مهسا أميني؛ الشابة التي اعتُقلت من قبل شرطة رجال الدين المحافظين؛ وذلك لعدم تغطية رأسها بالكامل، فماتت تحت التعذيب. ورغم قمع النظام «انتفاضة مهسا»، وكذلك احتجاجات أخرى كثيرة ضد النظام امتدّت لسنوات قبلها، فإن غضب وغليان الشباب يزداد.

من جهة أخرى، هناك تقارير تتكلم عن صراع حاد وراء الكواليس في قضية خلافة المرشد، الذي أصبح متقدماً في السن، فهناك «رجال الدين المحافظون» من الحرس القديم الذين ما زالوا يتمسكون بفكر تصدير الثورة والتشدد الداخلي، ومن بين هؤلاء محمود أحمدي نجاد، وسعيد جليلي، وعلي لاريجاني، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، ومحمد باقر قاليباف. وفي المقابل، هناك «جناح الإصلاحيين» الذين يعارضون تصدير الثورة والدخول في الصراعات الدولية، ويدعون إلى الاهتمام بأوضاع الناس في الداخل، وإطلاق الحريات، والانفتاح على العالم؛ لكي تُرفع العقوبات، وتسترجع إيران أموالها المجمدة. ويقود هذا الجناح مسعود بزشكيان ومحمد جواد ظريف وعلي أكبر صالحي وأمير حسين ثابتي. ويؤيد «الإصلاحيون» خلافة نجل المرشد مجتبى خامنئي لتبوّء منصب المرشد بعد وفاة والده. الصراع بين الجناحين تفاقم واستعر بسبب عدم إقدام علي خامنئي على الحسم القاطع بالإرشاد كما كان يفعل سابقاً. وفي أوضاع كهذه تنضج المؤامرات لتأجج الخلافات بين المتصارعين، وتطفوا التناقضات على السطح، فتقع عملية اغتيال إسماعيل هنية خلال استضافته رسمياً في إيران، ويُصفَّى ضباط «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان، ويُغتال قادة الأذرع، وتدمَّر القدرات العسكرية التي دفعت إيران ثمنها غالياً. وتظهر التناقضات في المواقف، مثل تصريح الرئيس مسعود بزشكيان بأن العلاقة الإيرانية - الأميركية هي علاقة أخوة، بينما يدعو رئيس مجلس الشورى المحافظ قاليباف إلى استمرار مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة دون هوادة.

وتقول مصادر في إيران إن المرشد محبط ومكتئب لتمكن المؤامرة من اختراق البيت، الذي ساهم في الانهيار السريع لمنظومة جهد لبنائها على مدى ثلاثة عقود ونيف مهملاً أوضاع شعبه المتردية. المرشد اليوم يرى على شاشات التلفزيون مقتل معظم القادة الذين عَزَّهم قلبه، وأولهم حسن نصر الله، ويشاهد بالنقل المباشر التدمير والقتل وتهجير مئات الآلاف من سكان الدول التي اعتقد يوماً أنه سيطر عليها، وقد أصبحت خلال أيام معدودة في قبضة عدو مجرم ينتظر الناس تصريحات ناطقيه لينجوا من الموت، وباتوا ينامون في العراء على أرصفة الطرق.

هل هذا وحده سبب الإحباط والاكتئاب؟

مع ازدياد احتمال حرب أوسع نطاقاً، قد تضطر أجهزة الاستخبارات الإيرانية قريباً إلى محاولة عكس سنوات من تجاوز القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية.

تركز أجهزة الاستخبارات الإيرانية على الأمن الداخلي ومراقبة المعارضين، مما يُحول الموارد عن أعمال الاستخبارات الخارجية ومكافحة التجسس.

أُنشئت «استخبارات الحرس الثوري» بعد احتجاجات «الثورة الخضراء» المناهضة للحكومة في عام 2009، ولديها تركيز على الأمن الداخلي، في حين أن «استخبارات فيلق القدس» نشطت منذ عقود، وتتعامل مع العمليات الخارجية والإجراءات السرية.

على الرغم من نقاط قوتها، فإن هذه المنظمات تواجه مسؤوليات متداخلة، ومنافسة داخلية، وضعف التنسيق.

يسلط اغتيال إسماعيل هنية، والإخفاقات الأمنية الأخرى، الضوء على قيود جهود مكافحة التجسس التي تبذلها إيران. وفي الوقت نفسه، فإن إظهار قدرات إسرائيل الاستخباراتية والعسكرية المتطورة على الوصول إلى قيادتَي «حماس» و«حزب الله» يخلق تناقضاً غير مُوَاتٍ مع ضعف العمليات الخارجية الإيرانية.

إذا أراد علي خامنئي إيقاف المؤامرة عليه وعلى نظامه، فعليه أن يتذكر ما فعله قائده ووليه الخميني بـ«تجرع كأس السم» عندما وقّع على وقف الحرب مع العراق، وإلا فإن المؤامرة التي تغلغلت ستنجح فيما تسعى إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وتجرّع كأس السم إيران وتجرّع كأس السم



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 19:34 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
المغرب اليوم - فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib