بيروت زائر اسمه الأمل

بيروت... زائر اسمه الأمل

المغرب اليوم -

بيروت زائر اسمه الأمل

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

للبنان رصيد في عالمه العربي لم تنجح سنوات الانحدار الطويل في تبديده. هاتفني سياسي عربي صديق معرباً عن سروره بما شاع قبل أيام أن لبنان قد يرجع من رحلة التيه الطويلة المؤلمة ليعود إلى أبنائه ومحبيه. استوقفتني عبارات في كلام الصديق الذي بدا في السنوات الماضية حريصاً على عدم الاستسلام للانطباع أن لبنان دولة ضلَّت طريق المستقبل وغرقت في ركام الماضي.

قال السياسي: «لا يستحق لبنان العقاب الذي تعرض له في العقود الماضية على يد أبنائه وعلى يد الآخرين. صحيح أن لبنان ليس دولة كبيرة في الإقليم. وصحيح أيضاً أنه لا يملك ثروات يمكن أن تثير اهتمام الدول الكبرى أو لعابها. لكن الصحيح أيضاً هو أن فشل لبنان لن يكون فشله وحده، لأنه سيعني فشل العائلة العربية في إنقاذ هذا الابن الذي لم يكن يوماً مصدر خطر على الآخرين بل كان داعية تقدم وتعايش».

وأضاف: «لا تزال هناك حاجة إلى لبنان. إلى التنوع الذي يشكل جزءاً من طبيعته ومن يومياته. لبنان تجربة تعايش بين مجموعات لا يمكن القول إنها تتطابق في مرجعياتها الدينية والفكرية. وهذا من أسرار فرادته رغم صعوبة تجارب التعايش في هذا الجزء الصعب من العالم».

وقال: «أتصل بك لأعبر عن بهجتي بما أسمع. فهمت أن لبنان اختار لرئاسة الجمهورية رجلاً نزيهاً يمكن أن يؤتمن على مصيره انطلاقاً من حرصه على التمسك بالسيادة والوحدة واحترام الدستور والمؤسسات وهو العماد جوزيف عون. وأفرحني أنه اختار لتشكيل الحكومة رجلاً من خارج النادي، يجمع الكفاءة والنزاهة والسمعة الدولية المحترمة، هو نوّاف سلام».

وزاد: «أتمنى من كل قلبي ألا يرتكب اللبنانيون خطيئة إضاعة الفرصة. أستطيع أن أجزم بوجود رغبة عربية فعلية في مساعدة لبنان على استعادة شروط الحياة الطبيعية في ظل دولة ومؤسسات مع إنعاش اقتصاده، وهذا ممكن بالتأكيد. زيارة وزير الخارجية السعودي لبنان ترجمة لقرار سعودي في هذا الاتجاه. العالم مستعد لمساعدة لبنان. يبقى أن يقرر اللبنانيون مساعدة بلدهم ومغادرة حروب الحصص والرهانات الخاطئة ومحاولات الاستعانة بالخارج لقلب موازين الداخل. أتمنى من كل قلبي ألا تضيع عليكم هذه الفرصة».

تذكرت كم سمعت في العقود الماضية من كلام على ما كانت بيروت تعنيه لكثير من العرب.

قال لي حازم جواد الذي قاد «البعث» العراقي إلى السلطة في 1963، إن حكام بغداد الجدد كانوا ينتظرون البريد الدبلوماسي الوافد من بيروت لمعرفة ماذا تقول صحفها وكيف يقرأ أبرز كتابها أوضاع العراق والمنطقة. وكان الانطباع السائد أن بيروت تعبّر عن درجة الحرارة في الإقليم واتجاهات الرياح. ووصل الأمر ببعض المسؤولين العرب حدَّ توهُّم أن سفارات الدول الكبرى تبث رسائلها أو إيحاءاتها عبر هذا الكاتب أو ذاك. وثمة من اعتقد أن بيروت مطبخ انقلابات ووكر ذهبي لأجهزة الاستخبارات.

وسمعت قبل سنوات من نائب رئيس دولة الإمارات العربية حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أنه زار بيروت شابّاً فاجتذبته بحيويتها وتنوعها وإرادة التقدم فيها ونوافذها المفتوحة على المحيط القريب والعالم. وقال إنه غادر العاصمة اللبنانية وهو يردد: متى ستتمكن دبي من أن تسلك طريق بيروت التي كانت تعد نموذجاً ناجحاً؟

وروى لي محسن إبراهيم، الأمين العام السابق لـ«منظمة العمل الشيوعي»، أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان يحرص على السؤال عن بيروت كمن يحاول استكشاف سر هذا البريق الذي تحظى به هذه المدينة رغم صغر حجمها وضآلة ثرواتها. وقال إن عبد الناصر كان يعد بيروت مختبراً للزعامة العربية. كان يعرف أن المظاهرات التي تنطلق فيها لا تأتي تلبيةً لأوامر مدير المخابرات أو بتشجيع منه خلافاً لما كان عليه الحال في بغداد أو دمشق وعواصم أخرى كثيرة. وكان عبد الناصر يسأل عن صحافة بيروت، خصوصاً «النهار» ورئيس تحريرها ميشال أبو جودة. ولعله كان يستغرب أن يستيقظ حاكم أو رئيس على مانشيتات تفاجئه في حين كانت العادة أن تتشابه العناوين وتُكتب بالحبر الرسمي.

أنا لست من حزب الحنين إلى الماضي. وأعرف أن لبنان تغيَّر، وأن المنطقة تغيَّرت، وأن العالم تغيَّر... لكن كل ذلك لا يُلغي حق اللبنانيين في العودة إلى العيش في ظل دولة طبيعية لا يشغر قصرها الرئاسي ولا تتصدع حكومتها ولا يصاب برلمانها بالغيبوبة والدوران في حلقة مفرغة.

دولة طبيعية تعيد ترميم البيت اللبناني على قاعدة المساواة بين المكونات والعيش في ظل المؤسسات. شاءت الصدفة أن يأتي كلام الصديق العربي في وقت كان الجيش الإسرائيلي فيه يطلق النار على اللبنانيين الذين يحاولون العودة إلى قراهم الجنوبية ولو للعيش قرب ركام بيوتهم. واضح أن حكومة بنيامين نتنياهو تحاول استدراج لبنان لتعميق مأساته. المهم أن يُسلِّم اللبنانيون رغم أوجاعهم بأنْ لا خلاص لهم إلا الرهان على الدولة وحدها لاسترجاع كامل التراب والسيادة والعيش الطبيعي في دولة هاجسها الاستقرار والازدهار. وواضح أيضاً أن القطار يقترب من لبنان، وأن على اللبنانيين استجماع شروط الصعود إليه مستفيدين من الدعم العربي والدولي. إضاعة فرصة القطار لا تعني غير الاستسلام لخيار الانحدار من هاوية إلى هاوية أعمق وأخطر. لا يملك أي لبناني خياراً أفضل من لبنان. هكذا تفيد التجارب القديمة والطازجة. للمرة الأولى منذ عقود هناك زائر اسمه الأمل. المهم ألا تتسبب الحسابات الصغيرة في إقناعه بالابتعاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيروت زائر اسمه الأمل بيروت زائر اسمه الأمل



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib