رجل في مهمة صعبة

رجل في مهمة صعبة

المغرب اليوم -

رجل في مهمة صعبة

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

«غرور إسرائيلَ سيتسبب في كارثةٍ لها وللمنطقة. القنبلة النووية لن تحميَها إذا تعرَّضت لمطر من الصواريخ من لبنانَ وسوريا وغزة واليمن ومن إيرانَ نفسها أيضاً. أنا لا أتحدَّث عن انهيارٍ كامل لإسرائيل، لكنَّ الضربةَ ستكون موجعة. سيفكّر بعض الذين هاجروا إلى إسرائيل بالهجرة منها بسبب غياب الشّعور بالأمان».

سمعت هذا الكلامَ قبل سنوات طويلةٍ من الدكتور رمضان شلح، الأمينِ العام الراحل لحركة «الجهاد الإسلامي». وحين سمعت تلميحاتٍ مشابهةً من شخص آخر، أدركت أنَّ الفصائل الحليفة لإيرانَ تستعد بكل إمكاناتها لـ«الضربة الكبرى» التي كانَ الجنرال قاسم سليماني يأمل تسديدَها إلى إسرائيل. ودار همسٌ في أروقة ضيقة أنَّ الشرارة ستبدأ من لبنان، وأنَّ قوات النخبة في «حزب الله» ستخترق الحدودَ لتقاتل على أرض الجليل. أفضلُ دليل على سيناريو «الضربة الكبرى» أنَّ «حزب الله» سارع إلى الانضمام إلى «طوفان السنوار» في اليوم التالي لاندلاعه وتحت شعار «حرب الإسناد». وانضمَّ الحوثيون. وحصلَ تبادلُ الضربات بين إسرائيل وإيران.

أطلق يحيى السنوار «الطوفان» وردَّ عليه بنيامين نتنياهو بإطلاق زلزالٍ شامل. وهكذا شهدنا حرباً فلسطينية - إسرائيلية. وحرباً لبنانية - إسرائيلية. وحرباً حوثية - إسرائيلية. وحرباً إيرانية - إسرائيلية. غيّرت سلسلةُ الحروب هذه موازينَ القوى في مسارحها. وها هو وقف النار في غزةَ يضع أهلَ القرار في الخرائط المعنية أمام مهمات صعبة.

لم يسبق أن واجهَ المرشدُ الإيراني مهمةً كتلك التي واجهها إبان الغارات الإسرائيلية على بلاده ورؤية الجنرالات والعلماء يتساقطون في عقر دارهم. ولم يسبق أن واجهَ رئيسٌ إيراني مهمةً بصعوبة ما يواجهه مسعود بزشكيان الذي رأى الطائراتِ الإسرائيلية تحتلّ أجواء طهران. رأى أيضاً سوريا تقفز من قطار الممانعة، ولبنانَ ينكفئ مطالباً بـ«حصرية السلاح». رأى أيضاً الرئيسَ الذي أمر بقتل سليماني يأمر بقتل المنشآت النووية الإيرانية.

يصعب الاعتقاد بأنَّ بنيامين نتنياهو تغيّر وأنَّه صار معنيّاً بالسلام. قاموسه مختلفٌ ومناقض. نتنياهو يؤمن بالانتصار والسَّحق والتهجير وفرض الأمرِ الواقع أو فرض الاستسلام. لم يكن من السَّهل عليه الوقوفُ في وجه رغبة دونالد ترمب في تقديم نفسه بوصفه صانع سلام أطفأ نزاعاً مزمناً شديد الخطورة. لكن من يضمن أن تستمرَّ الحماسة الأميركية، خصوصاً إذا أسهم الوقت في استنزافها أو انفجرت بين يدي ترمب ملفات أخرى. وفي مثل هذه الأحوال قد يناور نتنياهو الذي استعاد الرهائن للالتفاف على الاستحقاقات الجديدة في خطة ترمب.

كانت «حماس» في أشدّ الحاجة إلى وقف إطلاق النار. قاتلت بشراسةٍ غير مسبوقة. لكنَّ الحرب حصدت قادتَها وآلافَ المقاتلين وعشرات الآلاف من المدنيين ودمّرت غزة. دفعت «حماس» ثمنَ الحصول على وقف النار. الحلّ يبدأ بالإفراج عن الرهائن مشفوعاً بموافقة على الغياب عن إدارة القطاع، وعلى التنازل عن ترسانتها العسكرية أيضاً. دفعت أيضاً ثمنَ الاضطرار إلى الرهان على الضمانات الأميركية لتبرير قبولها بما قبلت به. دفعت «حماس» ثمنَ كونِها من أطلق «الطوفان».

هل قرأت «حماس» ما حدث؟ وكيف قرأته؟ هل وافقت فعلاً على الخروج من المشهد؟ هل تستطيع الحركةُ العيشَ من دون ترسانتها؟ وماذا لو تصاعدتِ الأصواتُ في غزة وحمَّلتها مسؤوليةَ توفير عذر لإسرائيل لإطلاق حرب الإبادة؟ في أي محاولة للتملّص من التزامات وقف النار يصعب على «حماس» العثورُ على حلفاء فعليين. إيران وحدها لا تكفي. ثم إنَّ إيران نفسَها ليست قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لا فيما يخصُّها ولا فيما يعني الفصائلَ الحليفة لها. لا تستطيع «حماس» البقاء كما كانت فيما تتغيَّر الأشياء على مسرح غزة وحولها وفي مناطق أبعد. لكن هل تستطيع «حماس» أن تتغيّر إلى حدّ التفرّج من دون مقاومة على الاتجاه الذي ستسلكه الحلول؟ واضح أنَّ خليل الحية رجلٌ في مهمة صعبة.

لم يكن أمام «حزب الله» غير القبول بوقف الأعمال العدائية وتطبيق القرار «1701». شكّل اغتيال أمينِه العام حسن نصر الله ضربة قاسية له. كانت لنصر الله هالةٌ داخل حزبه وفي الأوساط المتعاطفة معه. وواضح أنَّه كان شريكاً لسليماني في رسم ملامح «محور الممانعة». تحوّلت خسارة «حزب الله» كارثةً حين أضيفت خسارةُ العمق السوري إلى خسارة نصر الله. وإذا أضفنا إلى الخسارتين التَّفوق التكنولوجي الإسرائيلي فيصبح من الصعب توقّع أن يستطيع الحزبُ خوضَ حرب ضد إسرائيل. ربَّما لهذا السبب تمارس إسرائيل القتلَ اليومي في لبنان، وكأنَّها تستدرج الحزبَ إلى معركة غير متكافئة تعمّق خسارته.

السؤال الكبير هو كيف تقرأ قيادةُ الحزب المتغيرات؟ ثمة مطالبةٌ واسعةٌ بنزع سلاحه، فهل يعتقد الحزبُ أنَّه قادر على العيش من دون ترسانته؟ وماذا يبقى لإيرانَ في الإقليم إذا خسرت كلَّ الخطوط الدفاعية التي أنشأها سليماني ولم يبخل عليها بالأموال والصواريخ؟ هل باتت قيادة الحزب جاهزةً للتعامل مع المتغيرات أم أنَّها تفضل الكمونَ والانتظار، مراهنة على تعبِ الإرادة الدولية، وتلاشي اندفاعة قطار شرم الشيخ؟ واضح أنَّ الأمين العامَّ للحزب نعيم قاسم رجلٌ في مهمة صعبة.

رجلٌ في مهمة صعبة. هذا يصدق أيضاً في وصفِ وضع الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي يعرف أنّه لا إعمارَ ولا استقرار من دون تنفيذ «حصرية السلاح». الصفة نفسُها تَصدق على رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام. يعرف الرجلان صعوبةَ المهمة ويدركان في الوقت نفسه أنَّ لبنان مهددٌ بالعزلة وما هو أخطر منها إذا اختار البقاءَ في شق النزاع العسكري مع إسرائيل في وقتٍ اختارت سوريا أحمد الشرع الخروجَ منه. الشرع نفسُه رجلٌ في مهمة صعبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجل في مهمة صعبة رجل في مهمة صعبة



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib