أقوياء لا يملكون حلّاً

أقوياء لا يملكون حلّاً

المغرب اليوم -

أقوياء لا يملكون حلّاً

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

ينجذبُ الناسُ إلى الحاكمِ القوي. يضاعفُ لمعانَ بلادِه أو يستر هشاشتَها. يلجمُ شهواتِ الأعداء أو يردُّ كيدَهم. يوفّرُ فرصةً للمباهاةِ والشعور بالحصانة. القوي قادرٌ على فرضِ الأمنِ والاستقرارِ ويحمي من الفوضى. قادرٌ أيضاً على إشاعةِ الطمأنينة وفرضِ زِيٍّ موحَّدٍ على الرواية الرسمية. لا يكفي أن يكونَ الحاكمُ أو الزعيمُ قويّاً. الأهمُّ ماذا يفعلُ بقوّتِه. وماذا يدور في أوردةِ رأسِه. وما تصوُّره لإدارةِ البلادِ ومصيرِ العباد. أحياناً يستولي التاريخُ على القوي ويحوّلُه مجردَ جنديٍّ في حروبِ أجدادِه وكيدياتِ الماضي وثاراتِه. ويحدث أن يقتصرَ برنامجُ الحاكمِ على البقاءِ في الحكمِ والاكتفاءِ «باقتلاع الأعشابِ السامة» التي تهدّدُ هيبةَ نظامِه واستمرارَه. وهناك من يعتقد أنَّ القويَّ يحتاج إلى حربٍ لترسيخ شرعيتِه. نزاع حدوديّ يشكّل معموديةَ النار. وأحياناً يكلّف قوى بلادِه ما يفوق طاقتَها فيُقحمُها في مشروعٍ لتغييرِ الإقليم أو العالم.

فلاديمير بوتين حاكمٌ قوي. لا تنقصُه الشعبيةُ ولا ينسَى حقيبةَ الأزرار النووية. وهو رجلٌ مجروحٌ يريد أن يثأرَ لـ«روسيا المقدسة» من الغرب الذي دمَّر الاتحادَ السوفياتيَّ من دونِ إطلاق رصاصة. من مكتبِه راقبَ حلفَ «الناتو» يحرّك بيادقَه لتطويقِ بلادِه. خدعَ الغربَ بابتساماتِه وانكبَّ على إعداد «الجيش الأحمر» لاستعادةِ الصورة والموقع. اختار أوكرانيا لإطلاقِ أوسعِ انقلابٍ على الغرب. أغلبُ الظَّنِ أنَّه توقَّع انهيارَ أوكرانيا وغيابَ إرادةِ الرَّدِّ الغربية، وها هي الحربُ في عامِها الثالث. تقيمُ قواتُه على جزءٍ واسع من أرض أوكرانيا، لكنَّه غيرُ قادرٍ على إنهاء الحرب. «الدفرسوار» الأوكراني الطَّازَجُ داخلَ الأراضي الروسية لن يغيّرَ مسارَ الحرب، لكنَّه جرحَ صورةَ الكرملين وسيّدِه. ليس بسيطاً أن يستعينَ وريثُ ستالين بصاروخٍ كوريٍّ شمالي ومُسيَّرةٍ إيرانية. لن يخسرَ بوتين الحرب. لا هو يستطيع احتمالَ الخسارةِ ولا بلادُه تستطيع. سيندفع أكثر وربَّما سيغرق أكثر. رجلٌ قوي قادرٌ على هزّ العالم، لكنَّه لا يملك حلاً.

كيم جونغ أون زعيم قوي. يرعى الترسانةَ الصاروخيةَ والنووية كما يرعى أبٌ صالحٌ أولادَه. لا ترتفع في بلادِه سبابةُ اعتراض. لا يُطرح فيها سؤالٌ ملتبس. وفَّرت له الأزمةُ الأوكرانية وظيفةً مثيرة. صواريخُه وذخائرُه تحمِي الجيشَ الروسيَّ من النَّقص والشُّح. مقعدُه محجوزٌ في المحور الروسي - الصيني. لن تجرؤَ أيُّ قوةٍ على التحرش به. لكنَّ هذا الرجلَ القويَّ لا يملك حلاً لمشكلات الفقرِ والبطالة والتعليم. تنام بلادُه ويدُها على الزّنادِ فيما تواصل كوريا الجنوبية تقدُّمَها في سباقِ الرقيِّ التكنولوجي والاقتصادي وتحسين مستوى حياةِ الناس.

إسرائيلُ دولةٌ مسلحةٌ حتى الأسنان. ترسانةٌ نوويةٌ وآلةٌ عسكريةٌ فتاكة توظِّف فتوحاتِ التكنولوجيا لمضاعفةِ قدرتِها على القتل. وبنيامين نتنياهو لاعبٌ خطرٌ وبارعٌ يجيد العزفَ على نقاطِ ضعف أميركا حين يتعلّق الأمرُ بأمن إسرائيل.

ردَّ نتنياهو على «طوفان حماس» بإنزال نكبةٍ جديدةٍ بالفلسطينيين. بحرٌ من الدَّم في غزة. وبحرٌ من الدَّمار. وسَّعَ دائرةَ الاغتيالات وسدَّد ضرباتٍ كبرى في بيروت وطهران. دفعَ المنطقةَ إلى شفيرِ حربٍ إقليميةٍ مدمّرة واصطحب أميركا معه. أخطرُ سياساتِ نتنياهو هي إصرارُه على اغتيال فكرةِ الدولةِ الفلسطينية، وهي الممرُّ الوحيدُ لنزعِ هذا الفتيلِ المزمن في الشرق الأوسط. إسرائيلُ دولةٌ قويةٌ لكنْ سياسةُ الحكومةِ الحاليةِ عمياءُ تؤسِّسُ لحروبٍ أشدَّ هولاً.

نتنياهو هو الآخر قوي لا يملك حلاً.

«حماس» فصيلٌ فلسطيني متجذّرٌ في غزة. ولا غرابةَ أن تخوضَ مواجهاتٍ مع إسرائيلَ ردّاً على الظلم المتمادي اللاحق بالفلسطينيين وإغلاق نتنياهو كلّ النوافذ.

ويحيى السنوار زعيمٌ قويٌّ لـ«حماس». الضربة التي وجَّهها إلى الدولةِ العبريةِ غيرُ مسبوقة. لكنْ هل يملك السنوارُ تصوّراً للخروجِ من الوضعِ الحاضر غيرَ انتظارِ نجاح إدارةِ بايدن في إنضاجِ هدنةٍ لخفضِ مخاطرِ الانفجار الإقليمي؟ وماذا عن اليومِ التالي في غزة وموقع «حماس» فيه؟ وماذا عن العلاقة مع السلطةِ الفلسطينية ورئيسها؟ واضحٌ أنَّ السنوار قوي لكنَّه لا يملك حلاً وليس جاهزاً للسَّير في الحلول التي يمكن أن تُطرحَ بعد وقفِ النار.

إيرانُ دولةٌ كبيرة في الإقليم. أدركت غداةَ انتصارِ الثورةِ أهميةَ الملف الفلسطيني واستثمرت فيه بلا تردد. أظهرتِ الأزمةُ الحاليةُ أنَّ إيرانَ قادرةٌ على إطلاق النار على إسرائيلَ من خرائطَ عدة.

دفع نتنياهو اللعبةَ إلى أقصاها. أمرَ باغتيالِ إسماعيل هنية في طهران نفسِها لاستدراج إيران إلى المواجهةِ المباشرةِ التي حرصت إيرانُ طويلاً على تفاديها. يدرك نتنياهو أنَّ أميركا لا تستطيع الاستقالةَ من الانخراط في هذه المواجهة في حالِ حصولها. يريد ترسيخ الانطباعِ أنَّ موضوعَ غزةَ جزءٌ من النّزاع مع إيران وطموحاتها الإقليمية والنووية. تملك إيرانُ أوراقاً مؤثرة في استقرار المنطقة. دورها في لبنان وسوريا والعراق واليمن حاسمٌ. لكنَّ إيران لا تملك حلاً للنّزاع ولا تملك حلاً لتحسينِ أوضاعِ الخرائطِ التي تُرابط فيها.

روسيا غارقة في النزاع الأوكراني، وقد تضطر إلى توسيعه أو ترويج شبحِ الضربةِ النووية لتركيع بلاد زيلينسكي. والصينُ لا تتطلَّعُ إلى لعب الدور الأولِ في الشرق الأوسط المفخخ بالنزاعات. هكذا لا يبقى أمام المنطقة غيرُ انتظارِ مفاوضات الهدنة وجهود بلينكن، خصوصاً أنَّ كامالا هاريس قد تستفيد من ظهور إدارة بايدن في صورة مَن منعَ الانزلاق إلى الهاوية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أقوياء لا يملكون حلّاً أقوياء لا يملكون حلّاً



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib