أى حزب وأى لبنان وأى إيران

أى حزب.. وأى لبنان.. وأى إيران؟

المغرب اليوم -

أى حزب وأى لبنان وأى إيران

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

مؤلمةٌ المشاهد الوافدة من لبنان. مخيفةٌ ومروعة. جثثٌ تقيم تحت الأنقاض وبيوتٌ محروقة أو مهجورة. مليون نازح. رقم قياسى فى تاريخ البلاد. بعضهم يفترشون الأرضَ فى قلب العاصمة، وينام آخرون فى سياراتهم لتعذر العثور على سقف. كائنات معدنية قاتلة تجتاح الخريطة بكاملها. تنقل رائحة الموت إلى كلّ الجهات ومعها رائحة القلق والذعر.

يشعر اللبنانى العادى بالظلم والبؤسِ والعزلة. ليس لديه رقمٌ للاتصال به. لا رئيس فى القصر للرهان على صوته أو دوره. ورئيس حكومة تصريف الأعمال «نجيب ميقاتى» يفعل ما فى استطاعته. ورئيسُ مجلس النواب «نبيه برى» لا يملك تفويضًا لبلورة صيغة كافية لإقناع الوسيط الأمريكى بلجم آلة القتل الإسرائيلية. ولا يستطيع المواطن الاتصال بـ«حزب الله» الذى يملك ترسانة صاروخية كان يعتقد أنَّها كافية للردع.

ثمة من يتحدَّث عن «عشرة أيام هزَّت لبنانَ وركائزه». بدأت بانفجار أجهزةِ الاتصال فى السابع عشر من الشهر الحالى، وانتهت فى السابع والعشرين منه، مع اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله. تعرَّض الحزب لما يشبه الكسر فى عموده الفقرى. تعرض لضربة غير مسبوقةٍ أصابت قياداته وآلته العسكرية وأظهرته مكشوفًا فى بلد مكشوف.

ليس بسيطًا أن يتَّخذ بنيامين نتنياهو قرارًا بحجم اغتيال نصر الله، وهو يعرف أنَّه اللاعب الأولُ فى لبنان، ولاعبٌ إقليمى بارز فى «محور الممانعة» الذى تقوده إيران. ويعرف أنَّ هذا الاغتيال لا يقل خطورة عن اغتيال الجنرال قاسم سليمانى. والأخطر من كل ذلك أن يعتبر نتنياهو أنَّ اغتيال نصر الله كان ضروريًا لإحداث تغيير فى التوازنات التى حاول مع رفيقه سليمانى تثبيت قواعدها فى الشرق الأوسط. أظهر حجم الضربات الإسرائيلية فى لبنان أنَّ إسرائيل أطلقت انقلابًا على موقع «محور الممانعة» فى المنطقة، وهو انقلاب على المشروع الإيرانى بكامله. وليس بسيطًا أيضًا أن يقول بايدن وهاريس إنَّ الاغتيال «حمل قدرًا من العدالة لضحايا» زعيم «حزب الله».

بعض الماضى يساعد فى فهم أخطار الحاضر. كان ذلك فى ١٩٨٢. كان اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحيم بيجن، واسم وزير دفاعه أرييل شارون. ذهبنا إلى مقر اللاعب الأول فى لبنان يومَها، وكان اسمه ياسر عرفات. سألناه عن التهديدات الإسرائيلية فأجاب: «إذا ارتكب شارون حماقة مهاجمة لبنان، عليه الاستعداد لاستقبال سيل من النازحين من مستوطنات الجليل».

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تستخدم صواريخَ الكاتيوشا ضد الجليل لتذكر العالم ومعه إسرائيل بقضيتها، وألا أمن للدولة العبرية من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم. وقياسًا بترسانة «حزب الله» كانت ترسانة منظمة التحرير شديدة التواضع. وبعد أسابيع، أطلقت إسرائيلُ عملية «سلامة الجليل»، التى حوَّلها شارون إلى حصار لبيروت انتهى بمغادرة عرفات وقوات المنظمة لبنان. اعتبرت إسرائيل أنها لا تستطيع التعايش مع تحول حدودها مع لبنان إلى حدود إسرائيلية - فلسطينية.

قصة اليوم مختلفة. «حزب الله» لبنانى، وقواته من أبناء بيئته، لكن إسرائيل استغلت «حرب المساندة» التى أطلقها غداة «طوفان الأقصى» لاستنتاج أن حدودها مع لبنان تحولت إلى حدود إسرائيلية - إيرانية. اعتبرت حكومة نتنياهو أن يحيى السنوار نفذ شيئًا يشبه ما كان لوّح به «حزب الله»، وهو اقتحام الجليل. قرَّرت إسرائيل إسقاط ما اعتبرته حدودًا إسرائيلية - إيرانية فى جنوب لبنان، وربَّما لرهانها على أنَّ أى انخراط إيرانى مباشر فى المعركة سيؤدى إلى مواجهة إيرانية - أمريكية تبرّر لوضع المنشآت النووية الإيرانية على لائحة الأهداف.

المشاهد اللبنانية كارثية. بلد بكامله تحت النار. البلد مكشوف والحزب مكشوف. مسلسل الغارات لا يتوقف ومعه مسلسل الاغتيالات. كشفتِ الحرب خللًا هائلًا فى ميزان القوى. الآلة العسكرية الإسرائيلية توظف تقدُّمَها التكنولوجى الهائلَ فى عملية انقضاض لا ترحم.

قبل أسبوعين فقط كان من المستحيل على أى مراقب تخيل مشاهد من هذا النوع. كان الانطباع أنَّ «حزب الله» قوة متراصة يصعب تحقيق اختراق عميق فيها، وإن كان يتوقع حدوث اختراقات على هوامشها. لم يحدث أن تعرَّض فصيلٌ مسلح لمثل ما يتعرَّض له الحزب. «حماس» المطوّقة فى غزة لم تتعرَّض لشىء مشابهٍ على الرغم من الدمار الواسع الذى لحق بها وبالقطاع.

من يستطيع إخراجَ لبنان من هذا الجحيم؟، وما هو الثمن؟، وهل يستطيع «حزب الله» الموافقةَ على إخراج جبهة جنوب لبنان من المواجهة مع إسرائيل بعد كل ما لحق به؟، وما هو خياره الآخر؟، وأين تقف إيران؟، هل كانت تملك فرصةً للتدخل غداة اليوم الأول من الأيام العشرة الرهيبة؟، هل هى غير قادرة أم غير راغبة؟.

أسئلة كثيرة ستطرح عندما تتوقَّف عاصفة النار. كيف سيقرأ «حزب الله» الزلزال الذى استهدفه مع بيئته؟، كيف ستكون علاقة قيادته الجديدة مع إيران فى غياب نصر الله الذى كان معترفًا له بدور الشريك أو ما يقترب منه؟، كيف ستكون علاقات الحزب داخل «البيت اللبنانى»، خصوصًا إذا اقتضى وقف النار تطبيقًا جديًا للقرار ١٧٠١ ودورًا جديًا للجيش اللبنانى إلى جانب «اليونيفيل» هناك؟.

أسئلة كثيرة. كيف سيعيد الحزبُ بناءَ نفسه وتحديد دوره فى ضوء موازين القوى والدروس؟، ملامح الحزب بعد العاصفة ستؤثر بالضرورة على ملامح لبنان وترميم مؤسساته وإعادة جمع حجارة وحدته ورسم موقعه الإقليمى. وماذا عن وحدة الساحات؟، وأى إيران سنرى بعد هدأةِ العاصفة؟، وبأى دور إقليمى فى لبنان وخارجه؟، وأى سوريا سنرى إذا نجحت فى محاولتِها البقاء خارج العاصفة مستفيدة من الوسادة الروسية وترميم بعض علاقاتها العربية؟.

نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أى حزب وأى لبنان وأى إيران أى حزب وأى لبنان وأى إيران



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib