نجيب محفوظ والسينما الخجولة

نجيب محفوظ والسينما الخجولة!

المغرب اليوم -

نجيب محفوظ والسينما الخجولة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

على استحياءٍ فى أحد الأفلام المعروضة مؤخرًا، عادت مشاهد بها قليل من الرقص، كما أن هامش المشاغبة فى الحوار زاد قليلا، لمحت ذلك مرة أو اثنتين.

حتى لا يسىء أحد القراءة، ليس المطلوب تقديم سينما رخيصة، تصفق خلف الراقصة أو تلهث وراء (الإيفيه)، ولكن سينما طبيعية، تمزق ثوب الخجل، قد تجد فيها راقصة أو كلمة تحمل ظلالا بدون حساسية مرضية.

المؤكد أن المجتمع متحفِّظ، والنجوم والنجمات أكثر تحفظًا.. ليس معنى ذلك أننى أمنح مثلًا ضوءا أخضر للابتذال، أكيد لا، فقط نريد سينما لا تضع على أفكارها نقابًا، وعلى حوارها برقع الحياء.

فى منتصف الخمسينيات، كان الأديب الكبير نجيب محفوظ فى موقع الرقيب على المصنفات الفنية، وعليه أن يحدد الموقف النهائى من القضايا السياسية الشائكة، وهى مهمة تحتاج إلى عقل يقظ بقدر ما هو مرن، لا يخلو الأمر من مشهد ساخن أو قبلة قد تثير التساؤلات وربما الغضب، الرقيب هو (ترمومتر) للحياة، تَفتُّحه وقناعاته الفكرية وذوقه الخاص تلعب دورًا فى توجيه البوصلة نحو الإباحة أو الحذف.

لم يجد نجيب محفوظ حرجًا فى إعلان موافقته على القبلات بكل أنواعها، ما عدا واحدة فقط، تلك التى على العنق، خاصة لو طالت على الشاشة أكثر من دقيقة، وسألوه فى حوار صحفى (هذا عن الشاشة.. ماذا عن الواقع؟)، مثلا لو رأيت شابا وفتاة يختلسان قبلة فى الشارع؟ أجابهم: (أبدًا، أودى وشى ع الناحية التانية وأبتسم وأقول اوعدنا يارب).

المجتمع كان أكثر رحابة.. نعم، صاغها نجيب محفوظ بخفة ظله حتى تبدو كنكتة، ورغم ذلك كما روى لى المخرج الراحل توفيق صالح وأقرب أصدقاء نجيب محفوظ فى (شلة الحرافيش)، كانت هناك بين الحين والآخر اعتراضات ومطالبات للرقابة بالتدخل، كما أن تعبير (السينما النظيفة) ليس وليد نهاية التسعينيات كما كنت أتوقع، ولكنه موغل فى القدم، كان عدد ممن يمارسون النقد فى الخمسينيات يحصدون عدد الكلمات الجريئة والمشاهد الساخنة والعنيفة ويمنحون الفيلم درجة من عشرة بناءً على التزامه بمكارم الأخلاق.. وأضاف توفيق صالح فى فيلم تسجيلى لى كنت أتناول فيه صناعة (القلل القناوى)، استمعت أثناء مشاهدة الرقابة إلى ضحكة صاخبة لنجيب محفوظ على أحد المشاهد، وبعدها حذف المشهد!.

كان نجيب محفوظ يتدخل فى حالات محددة ونادرة بالحذف بمعيار أخلاقى، هو نفسه أشار إلى فيلم (إغراء) لحسن الإمام 1957، عندما طلب كرقيب إعادة تسجيل أغنية صباح (من سحر عيونك ياه)، كتبها مأمون الشناوى ولحنها محمد عبدالوهاب، بسبب (يااااااااه) التى طالت أكثر مما ينبغى، ووجد أديبنا الكبير بحس أولاد البلد أن الإطالة هنا تحمل معنى حسيًّا، فأعادت صباح التسجيل لتختصرها إلى (ياااه) قصيرة.

الغريب أن الإذاعة المصرية كثيرا ما تقدم حفلا غنائيا لصباح وقد أدت (ياااااااااااه) طويلة أكثر حتى مما احتج عليه نجيب محفوظ، إنه بالتأكيد المجتمع الذى يسمح وليس الرقيب.

تعاطف الناس مع سعاد حسنى فى (خللى بالك من زوزو) لحسن الإمام عام 72 وهى ترقص بدلا من تحية كاريوكا (ألماظية) الراقصة المعتزلة، بينما استهجن عمر الشريف قبلها بنحو عشر سنوات فى (بداية ونهاية) لصلاح أبوسيف، عندما شعر بنذالته بعد أن تنكر لجثة شقيقته العاهرة سناء جميل.. فى الفيلم الأول أراد حسن الإمام أن يعلى من قيمة المواجهة، وفى الثانى أراد صلاح أبوسيف أن يفضح تواطؤ المجتمع.

القُبلة واحد من المؤشرات التى غنت لها أم كلثوم فى فيلم (سلامة) لتوجو مزراحى.. (القبلة إن كانت من ملهوف/ اللى على ورد الخد يطوف / ياخدها بدال الواحدة ألوف / ولا يسمع للناس ملام).. هل رأيتم جرأة أكثر من ذلك، كتبها بيرم التونسى ولحنها الشيخ زكريا أحمد قبل نحو 80 عاما؟!.

نطل على الرقابة بما هو أبعد بكثير من القبلة، ولكن لا بأس أن ننطلق منها. الإبداع يستند إلى قيمة عميقة فى المجتمع تؤمن بالحرية ولا تحاكم الأدب أو الفن من منظور أخلاقى مباشر، حتى إن المبدعين صار بعضهم يتباهى بذلك، وعدد منهم يغازل هذا الجمهور بإعلانه أنه الأكثر تزمتًا.. وتلك حكاية تستحق عمودًا آخر!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجيب محفوظ والسينما الخجولة نجيب محفوظ والسينما الخجولة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 12:53 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

لجين عمران بإطلالة صيفية أنيقة باللون البيج
المغرب اليوم - لجين عمران بإطلالة صيفية أنيقة باللون البيج

GMT 19:39 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

كندة علوش تعلن رأيها في الترندات والسوشيال ميديا
المغرب اليوم - كندة علوش تعلن رأيها في الترندات والسوشيال ميديا

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

الشرع يثير التفاعل بحديث رقيق عن زوجته
المغرب اليوم - الشرع يثير التفاعل بحديث رقيق عن زوجته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib