جاسم والهدهد والجرف
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

جاسم والهدهد والجرف

المغرب اليوم -

جاسم والهدهد والجرف

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

أشار فيليب إلى طائر الجيه الأوراسي شبيه الهدهد الذي جاء بالقرب مني ليلتقط حبة العنب التي يضعها له فيليب يومياً في تمام الساعة الرابعة بعد الظهر في المقهى المطل على شاطئ المحيط الأطلسي في جنوب البرتغال، في منطقة مدهشة اسمها الجرف Algarve، وقال لي «انظر إلى جاسم. أليس طائراً مدهشاً؟ يجيء إلى هنا كل يوم في الموعد نفسه منذ أكثر من عشر سنوات، يلتقط حبة العنب ويذهب إلى حال سبيله». فيليب يحب أن يسمي مقهاه الذي يقع على الناحية الأخرى للمحيط من مدينة طنجة المغربية وجزيرة ماديرا البرتغالية، يسميه Paradise أي الجنة، وهو كذلك فعلاً في سكينته وجمال موقعه وهدوئه. ومع ذلك فاسم المقهى الرسمي هو «ميرادور» ومن معانيه البرتغالية «البرج».

شغلني أصل الاسم الذي أطلقه فيليب على الطائر (جاسم) وودت أن أسأله عن السبب ولكنه كان مشغولاً بزبائنه ولم أكن أنا إلا واحداً منهم، ولم أتطلع إلى اهتمام أكثر مما أعطاني إياه. وكان عليَّ أن آتي في يوم آخر لأعرف المزيد عن سبب تسمية طائر هذا المقهى الذي تحس فيه أن المساحة كلها سماء ونجوم... مساحات لا تميز فيها الداخل من الخارج أو السماء من البحر. وأطلقت قدمي في المنتجع الواسع بين ملاعب الجولف وأشجار الصنوبر الكثيفة التي تمنحك شعوراً كأنك تسير في غابة لا في مصيف. وعرفت فيما بعد أن المنتجع مبنيٌّ على مساحة تقرب من المائة فدان وبدأ العمل فيه منذ ثمانينات القرن الماضي إلا أن افتتاحه تم عام 1992، أي منذ ثلاثين عاماً.
الطائر ذاته مرسوم كعلامة تجارية على واجهة المنتجع، ولولا حديثي السابق مع فيليب ربما لم أنتبه إلى ذلك. في تصوري أن عيوننا لا ترى إلا الذكرى التي ينبهنا إليها الآخرون، فنرى القصة أكثر من رؤيتنا للأشياء.
زرت فيليب في اليوم التالي، وجلست ساعة في انتظاره وانتظار الهدهد، ولما ظهر فيليب لم يكن على بالي إلا الآية الكريمة «وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين»، ولكن كيف تترجم إحساس الآية الكريمة لرجل يَدين بغير دينك وفي سياق غير السياق، وأنا لست ممن يحبون ترجمة المقدس، فمهما حاولت فالإحساس هو الذي يسقط في الترجمة.
حكى فيليب عن سبب التسمية واصفاً رجلاً كويتياً أسمر قادماً من بعيد اسمه «جاسم البحر» جاء إلى الجرف في ثمانينات القرن الماضي وبنى كل هذا الذي تراه، فقد كان المكان أشبه بالبراري على حافة جرف المحيط، وما تراه هو رؤية هذا الرجل، رؤية جاسم، شيء من روحه، والهدهد سُمِّي باسمه.
جاسم البحر أحبَّ هذا المكان الذي بناه من مخيلته وصعدت فيه روحه إلى باريها عام 2008، قالها فيليب وترقرقت في عينيه دمعة، وأشار إلى ذراعه قائلاً: «كلما أتذكر هذا الرجل أحس بقشعريرة تسري في جسدي. لو لم تقابل الرجل في حياته، ومشيت في هذا المكان، البحر والهدوء والألوان، لأحسست بروحه، فمعرفتك بجاسم الآن تشبه معرفتي به، فالرجل هو المكان، هادئ وعميق التفكير وبسيط أيضاً، مثله مثل المكان ومثل الهدهد أيضاً، يرضى بحبة العنب لنفسه، ولكنه يحلق بعد أن يأكلها». سرحت في الصور التي رسمها فيليب وبقيت في المكان حتى ما بعد غروب الشمس بكثير. أذكر أن الهدهد في ثقافة مصر القديمة يعبّر عن الرؤية وعن الغموض معاً، وكان المصريون القدماء يربّون طائر الهدهد في بيوتهم، وكان فيه من روح حورس وعين حورس الثاقبة. في الثقافة الفارسية والتركية هو طائر ملكي مكلل بتاج على رأسه وفيه رمزية الأنفة، ولكنه في الطبيعة طائر فرداني لا يختلط كثيراً بالطيور الأخرى ويؤدي مهامه بمفرده. بقيت في المقهى حتى ظهور النجوم وحتى اختلط البحر بالسماء أتأمل المكان الذي يكاد يكون كله سماء لا أرضاً.
قضيت أسبوعين في هذا المنتجع الذي يعجّ بالسائحين، ومعظمهم من الإنجليز، في الحقيقة عرفت عن هذا المكان من صديقات ابنتي في المدرسة وقد اعتدن قضاء الصيف فيه مع عائلاتهن فازداد شغفنا للمجيء. ولم ألمح وجهاً عربياً واحداً هنا، وهذا عكس ما تراه في الجنوب الفرنسي أو الإسباني.
كتبت هذا الجزء من ملاحظاتي عن حديثي مع فيليب كقصة تصلح لكتابات الصيف والسفر من دون أن يغيب عن ذهني البعد الأكثر عمقاً المتعلق بتاريخ تلك المنطقة وعن التشابكات بين تاريخ العرب والبرتغال بدءاً من معارك السلطان قنصوة الغوري معهم ومحاولة مواجهتهم في عدن وسوقطرة من أجل الحفاظ على تجارته مع الهند، معركة كانت خاسرة بالنسبة للمماليك في مواجهة قوة بحرية برتغالية سيطرت على البحار بعد اكتشاف فاسكو داجاما طريق رأس الرجاء الصالح. ولا نغفل عن سيطرة البرتغاليين على الموانئ الخليجية من جدة حتى مضيق هرمز. ولكن ماذا عن جاسم البحر الذي يسبح ضد التيار القديم في توجه معاكس إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، رجل الهدهد، وما الذي أتى به من بعيد إلى هنا؟
عرفت أن جاسم البحر رجل أعمال كويتي جاء إلى البرتغال في ثمانينات القرن الماضي وبنى كل هذا النجاح الأخّاذ والمذهل. إن النجاحات في معظمها فردية، والأفراد لا الحكومات هم من لديهم روح المغامرة والمبادرة. عبّرت لابنتي عن هذه الفكرة وذكّرتني بأن عدداً ممن كانوا يتنافسون على قيادة حزب المحافظين في بريطانيا هم من أصول غير بيضاء، مثل العراقي ناظم زاهاوي والباكستاني ساجد جويد والهندي ريشي سوناك. أفراد بنوا لأنفسهم ولأولادهم مجداً لأنهم كانوا وما زالوا مصرّين على النجاح، وكذلك كان جاسم.
النماذج الفردية الكويتية ذات الرؤية من شباب طموح يسلك اليوم طريقاً مغايراً في بلد قريب فينجح نجاحاً مبهراً إلى رؤية رجل حقق طموحه مثل جاسم البحر، هي نماذج يجب الاحتفاء بها، ولكن يبقى اللغز الكبير؛ لماذا ينجح الأفراد في بلداننا بينما يتعثر كثير من الحكومات؟ وماذا لو تخيلنا حكومات تشبه مبادرات الأفراد في طموحاتها وخيالها؟ ربما كنا اليوم في مكان آخر وعلى حال آخر.
جاسم سليل قوم في جيناتهم روح المغامرة من الغطس بحثاً عن اللؤلؤ إلى جوب عباب البحر إلى الهند تجارةً، محاولات للخروج من الخليج الضيق، وما خروجه إلى شبه الجزيرة الأيببرية ومنها إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا إلا امتداد لروح المبادرة والمغامرة برؤية جديدة.
ما قبل السفر قررت زيارة فيليب لأودّعه وبعد السلام أدرت ظهري في طريقي إلى المطار ولكن بعد مسافة ليست ببعيدة أدرت النظر لأودّع المكان فرأيتُ الطائر مرة أخرى (جاسم) ولم أتبيّن هل هو قادم لالتقاط حبة العنب أم أنه التقطها وفي طريقه إلى حال سبيله.
ولكن تبقى قصة النجاحات الفردية في عالمنا العربي كمصدر إلهام للأجيال القادمة هي لب هذا المقال وذروة سنامه، وتلك هي قصة جاسم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جاسم والهدهد والجرف جاسم والهدهد والجرف



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib