البوابة الوهمية والأزمة المركبة في تونس

البوابة الوهمية والأزمة المركبة في تونس

المغرب اليوم -

البوابة الوهمية والأزمة المركبة في تونس

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

مظاهرات تونس الأخيرة، وبهذا الزخم، لا بد أنها تذكّر أول ما تذكّر برحيل زين العابدين بن علي ونظامه نهاية عام 2010 وبداية 2011، لكن الأمر ليس كذلك. أزمة بن علي ونظامه كانت أزمة شرعية نظام طال أجله، حكم بالقمع رغم متنفس بسيط كان يقلل من درجات الغليان، ومع ذلك فالأزمة السياسية وأزمة الشرعية وحدها (unidimensional crisis) أدت في النهاية إلى سقوط النظام وهروب بن علي ووفاته خارج بلاده. اليوم تعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة مصيرها في يد المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والدول التي هي كما غنى عبد الحليم أيام السد العالي «الدول اللي بتساعد وتدّي».

زيادة نسبة التضخم والغلاء وقلة العملة الصعبة، جعلت وزير الاقتصاد التونسي يخرج ليطمئن التونسيين بأن بلادهم ليست مثل لبنان، وليست مهددة بالإفلاس. هذا الحديث في ذاته لم يكن مصدر طمأنينة، ولكنه زاد من حدة القلق في الشارع التونسي.
وخرجت الأعداد الغفيرة التي رأيناها في شوارع تونس العاصمة في ذكرى ثورتهم؛ أعداد وأصوات ووجوه لا تبعث على الطمأنينة تجاه البلد الشقيق. ولا أدري هل كانت زيارة الحصيف والمتخصص في الشأن العربي ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السفير وليام بيرنز، إلى ليبيا؛ هل كانت زيارة إلى ليبيا فقط، أو هي أيضاً زيارة إلى تونس. وليام بيرنز الذي عمل في المنطقة سفيراً ومساعداً لوزير الخارجية، يعرف المنطقة كما يعرف خطوط أصابع يده، وزيارته هذه المرة لشمال أفريقيا في تقديري ليست زيارة عادية. وفي الأوساط الغربية اليوم، وليس في أميركا وحدها، هناك قلق شديد فيما يخص الأزمة المركبة (the compounded crisis)، وهي أزمة لا تخص تونس وحدها، بل الجوار أيضاً، وربما الشمال الأفريقي كله.
الذين استخفوا بتبعات أزمة الشرعية؛ تلك الأزمة الأحادية التي أدت إلى ما عُرف بالربيع العربي في عام 2011، وما تبعه من ارتباك في المنطقة أوصلها إلى ما نراه اليوم، ربما تفاجئهم تبعات الأزمة متعددة الأوجه، أو الأزمة المركبة التي نشهدها الآن في تونس وبقية دول الشمال الأفريقي.ما بعد ألفين وأحد عشر كانت الخزائن العربية لديها بعض الفائض من المال ما يعوض خسائر بلدان مثل تونس ومصر، أما اليوم فظني أن الأموال لا تكفي لضبط أي انهيار في دول شمال أفريقيا. وكما كان يقال إن الشعوب ملّت الثورات، أو لديها تعب منها (revolution fatigue)، كذلك الدول الداعمة لاقتصادات انهيار ما بعد الثورات، لديها تعب المانحين الذي وصل إلى حد الإنهاك (donor fatigue).
بعد الربيع العربي سألت أحد وزراء الدول المانحة: إلى أي مدى ستقفون من بعض الدول المدينة في المنطقة؟ قال: «سنقف معهم إلى آخر سنت، ولكن أتمنى ألا يأخذونا إلى آخر سنت»، ولما سألته منذ أكثر من ثلاثة أعوام؛ أعلن أن بلاده وصلت إلى آخر سنت. إذن، حتى العلاج المؤقت للأزمة متعددة الأوجه هذه المرة، ربما لا يكون موجوداً، وخصوصاً أن الدول المانحة لديها مشاريعها الوطنية، وأولويات إنفاق لا تسمح بهامش كبير من الدعم الخارجي.
الأزمة متعددة الأوجه ليست فقط تونسية، أو حتى شمال أفريقية، ولكنها تمتد إلى المشرق العربي كله، مما يجعل منطقتنا أمام حالة أشد تعقيداً مما شهدناه عام 2011 وما تلاه.
هذا المشهد يتطلب من المنطقة إعادة نظر، وكذلك إعادة تفكير في المفاهيم الحاكمة لدراسات الثورات، أو تبعات الانهيار الاقتصادي والإفلاس في بعض دول المنطقة. هذا الأمر لا تحله الشعارات الوطنية، أو الصوت العالي للهتافات، أو حتى حملة الدعاية والتبرير التي تغطي فضاءات الإعلام؛ مطلوب تفكير مختلف.
كنت في رأس السنة في معبد الأقصر، وكذلك في وادي الملوك، ولفت نظري مفهوم البوابة الوهمية التي كان يرسمها المصري القديم على جدران المعابد، تذكّرت حديث مجتمعاتنا عن بوابات الخروج من هذه الأزمة متعددة الأوجه بالتكاتف والهتافات الوطنية، ولم أرَ أمامي سوى تلك البوابة الوهمية على جدران معبد الأقصر السميكة جداً؛ مجرد رسم على الجدار، ولكنها بوابة وهمية لا تؤدي إلى شيء!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البوابة الوهمية والأزمة المركبة في تونس البوابة الوهمية والأزمة المركبة في تونس



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 00:14 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

حماس ترد على ترامب بخصوص الأسرى الإسرائيليين
المغرب اليوم - حماس ترد على ترامب بخصوص الأسرى الإسرائيليين

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 19:54 2018 السبت ,17 آذار/ مارس

الحجاب: فريضة أم أيديولوجية سياسية؟

GMT 09:32 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

"فيفا" يوصي بمتابعة اللاعب أشرف بنشرقي في "كأس العرب"

GMT 00:15 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

شركة صينية تكشف عن أول طرازاتها للسيارات الطائرة

GMT 03:22 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الألوان الجريئة تحتل قمة اختيارات ديكورات المنازل في 2019

GMT 17:07 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

رجل يصوّر زوجته عارية داخل فندق ويُهددها بنشر الفيديو

GMT 08:22 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"إيتا" الباسكية تنهي حقبة الدماء في إسبانيا

GMT 10:14 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

5 ميزات جديدة في تطبيق "واتساب" لمُستخدمي الأندرويد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib