الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعنة الشرق الأوسط

الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعنة الشرق الأوسط

المغرب اليوم -

الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعنة الشرق الأوسط

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

الانتخابات الرئاسية الأميركية ليست مجرد حدث داخلي، بل تمتد تأثيراتها إلى مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. تتكرر عبارة «الانتخابات الأميركية لها تأثير كبير في الشرق الأوسط» حتى أصبحت كأنها «كليشيه» تتطلب تفكيكاً وتحليلاً للسياسات الأميركية المختلفة في المنطقة. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دولة ذات تأثير عالمي، فإن الأحداث لا تصنعها أميركا وحدها، إذ تحتاج سياساتها إلى توافق مع قوى كبرى أخرى، مثل بريطانيا في تحرير الكويت عام 1991، أو غزو العراق عام 2003.

الاعتقاد بأن الانتخابات الأميركية هي لحظات فاصلة تحدد مسار الشرق الأوسط قد يكون مبالغاً فيه. إذ إن السياسة الخارجية الأميركية، بغض النظر عمّن يسكن البيت الأبيض، تعكس في معظمها مصالح «الدولة العميقة» التي لا تتغير بتغير الرئيس. وعلى الرغم من وجود بعض العقائد التي تتبناها إدارات معينة، فإن الشرق الأوسط يُنظر إليه ضمن إطار أوسع للسياسة الخارجية الأميركية، كما هي الحال مع عقيدة أيزنهاور (1953 - 1961)، التي ركزت على مكافحة النفوذ السوفياتي في المنطقة خلال الحرب الباردة، وضمنت التدخل في لبنان عام 1958 تحت ذريعة التهديد الشيوعي.

تشير بعض الآراء إلى أن الولايات المتحدة لا تدعم فقط مصالحها الاستراتيجية، بل تسعى أيضاً لحماية الأنظمة الحليفة. ومع ذلك، باستثناء الدعم المطلق لإسرائيل وتحرير الكويت، لا توجد أدلة قوية على أن واشنطن دعمّت بشكل مستمر أنظمة عربية حليفة، خصوصاً خلال أحداث «الربيع العربي» بين 2011 و2013.

يمكن اعتبار جيمي كارتر (1977 - 1981) وجورج بوش الأب (1989 - 1993) من أكثر الرؤساء تأثيراً في الشرق الأوسط. كان كارتر مهندس اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي مثلت نقطة تحول في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. غير أن أزمة الرهائن في إيران أدَّت إلى خسارته في الانتخابات ليصبح رئيساً لولاية واحدة. كذلك، كان بوش الأب قائد التحالف الدولي في حرب الخليج عام 1991، التي هدفت إلى استعادة سيادة الكويت وضمان استقرار المنطقة وتدفق النفط، لكنَّه خسر الانتخابات بعد ذلك لصالح بيل كلينتون.

هناك نمط ملاحَظ في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يبدو أنَّ الرؤساء الذين يتخذون قرارات حاسمة بشأن الشرق الأوسط، مثل كارتر وبوش الأب وترمب، غالباً ما يخسرون الانتخابات التالية ليكونوا رؤساء لولاية واحدة. قد تُطلق على هذا «لعنة الشرق الأوسط» في السياسة الأميركية.

أمَّا انتخابات عام 2000 التي أوصلت جورج بوش الابن إلى السلطة، فقد كانت نقطة تحول أخرى في العلاقات الأميركية مع الشرق الأوسط. بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أعلن بوش «الحرب على الإرهاب»، ممَّا أدَّى إلى تدخلات عسكرية مباشرة في المنطقة، بدءاً من غزو أفغانستان في 2001، ثم غزو العراق في 2003. أدَّى غزو العراق إلى فوضى سياسية وأمنية في المنطقة، وأسفر عن انهيار النظام العراقي وصعود تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش». تركت هذه السياسات تأثيرات طويلة الأمد، حيث استفادت إيران من الفوضى لتعزيز نفوذها الإقليمي.

باراك أوباما (2009 - 2017) جاء إلى السلطة بشعار إنهاء الحروب التي بدأها بوش الابن، وقام بسحب القوات الأميركية من العراق في 2011. رغم ذلك، فإنه لم يترك الشرق الأوسط بعيداً عن سياسات إدارته. أحد أبرز تحولات أوباما كانَ دعمه للاتفاق النووي مع إيران عام 2015، الذي هدف إلى الحد من طموحات إيران النووية. هذا الاتفاق أثار قلق حلفاء أميركا في المنطقة، مثل السعودية وإسرائيل، حيث رأوا أنَّه يمنح إيران مزيداً من الحرية لتعزيز نفوذها الإقليمي.

رغم نجاحه في إبرام الاتفاق النووي، رفض أوباما التدخل العسكري المباشر في سوريا بعد بدء الحرب الأهلية هناك عام 2011، حتى بعد خطوطه الحمراء. هذا القرار أضعفَ النفوذ الأميركي في سوريا، وفتح المجال أمامَ تدخل روسيا وإيران لتعزيز نفوذهما في الصراع.

أما دونالد ترمب (2017 - 2021)، فقد شهدت فترته الرئاسية تغيرات كبيرة في سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. انسحب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018، وأعاد فرض عقوبات صارمة على طهران، مما زاد من التوترات في المنطقة. كما أعلن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي خطوة أثارت غضب الفلسطينيين وجدلاً دولياً كبيراً. إضافة إلى ذلك، روّج ترمب لما عُرفت بـ«صفقة القرن» التي كانت تهدف إلى تسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لكنَّها لاقت رفضاً واسعاً في العالم العربي.

في المجمل، يمكن القول إنَّ السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط غالباً ما تتَّسم بالاستمرارية رغم تغيير الإدارات. فبينما قد تتغير التكتيكات أو الأدوات المستخدَمة، تبقى الأهداف الاستراتيجية الكبرى، مثل حماية تدفق النفط، ومحاربة الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل، ثابتةً. لذا، فإنَّ تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية في الشرق الأوسط يعتمد في الأساس على كيفية توافق سياسات الإدارة الجديدة مع هذه الأهداف الاستراتيجية، وليس على التغيير الكامل في النهج السياسي.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعنة الشرق الأوسط الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعنة الشرق الأوسط



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib