بقلم - سليمان جودة
أعرف الكاتبة الأستاذة إنعام كجه جى، وأجد سعادة فى الحديث معها، وقد حدث هذا مرات فى المغرب وفى البحرين، ولكن لم يجمعنا لقاء فى بلدها العراق ولا هنا.. ولا نزال على موعد مع حديث آخر يتجدد فى عاصمة النور حيث تعمل وتقيم.
وهى تحتشد إذا جلست لتكتب، ولذلك يحظى ما تكتبه بمتابعة قارئها، كما أنها تكتسب المزيد من القراء فى كل مرة تحتشد فيها، لأنها تؤمن بأن الكاتب إما أن يكتب أو لا يكتب.. ولا شىء فى المنتصف.. فكتابة النصف نصف لا تعرفها ولا تميل إليها.
وإذا طالع القارئ روايتها الجديدة «صيف سويسرى» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية سوف يجد ما أقوله صحيحًا، وسوف يجد أنه أمام رواية كل ما فيها فريد، ولا فرق فى ذلك بين موضوعها المختلف، ولا بين اسمها اللافت، ولا بالطبع بين موضوعها الجديد.. ورغم صفحاتها القليلة نسبيًا، فإنها وجبة عقلية مكتملة.
ففيها يذهب أربعة عراقيون إلى مدينة بازل فى سويسرا للعلاج، وعلاجهم لا مثيل له بين الذين يقصدون سويسرا للاستشفاء، لا لشىء، إلا لأنهم ذهبوا يتداوون من الإدمان العقائدى الذى جنى عليهم وعلى بلاد الرافدين.. لقد جاءت لهم المدينة بطبيب اسمه «بلاسم».. وكما ترى فاسمه على مسمى، أو هو اسم يمثل جزءًا من العلاج، لأن الاسم ليس بلسمًا واحدًا، ولكنه عدة بلاسم مع بعضها البعض.. ولا نزال فى مصر نصف الشخص بأنه «بلسم» إذا شئنا أن نقول إنه خفيف الروح، أو أنه شخص يسعد به الذين يجمعهم به مكان.
وقد كان على الطبيب بلاسم أن يعالج الروح لا الجسد لدى العراقيين الأربعة، وكان عليه أن يسمع منهم ويتكلم معهم، وأن يعطى ويأخذ فى جلسات حوار ممتدة.. فكأنه الدكتور أحمد عكاشة كبير أطباء النفس فى المحروسة الذى تذكرته وأنا أطالع الرواية.. لقد سمعت منه كثيرًا عن مرضاه وعما يقولون له وعما يقول.. وهو بالطبع أحرص الناس على أسرار مرضاه، وخصوصًا مرضاه النجوم من أهل الفن وغير الفن فى مصر وفى المنطقة.
ولكن مهمة الدكتور بلاسم كانت أصعب بالتأكيد، وربما كانت مستحيلة، لأن مرضى الدكتور عكاشة تسيطر عليهم فى الغالب وساوس وهواجس سرعان ما تمضى.. أما مرضى بلاسم فتسيطر عليهم أفكار مضى زمانها، أو معتقدات سياسية لا مكان لها فى عصرنا، أو نظرات «لا تنتج فى الدعوى» كما يقول أهل القانون.. ولأن الصيف السويسرى قصير بطبيعته، فإنه لم يتسع لإنجاز المهمة.. فما أصعب أن تبدل أو تغير فكرة مستقرة لدى إنسان! فإذا كانت الفكرة حزبية ضيقة، فإنها تجعل العقل أضيق منها، وتجعل مهمة العلاج أقرب إلى المستحيل.. وربما أرادت الكاتبة أن تقول إن الشفاء سوف يتحقق للأربعة إذا شفى العراق نفسه من التحزب الذى يقتله كل يوم.. فالفرع لا يمكن أن يبرأ بينما الأصل مريض.
اللغة جميلة فى الرواية، أما الموضوع فأجمل لأنه يريدنا منفتحين على عصرنا، وأما إنعام كجه جى فتعرف ماذا عليها أن تكتب وماذا عليها أن تقول.