الناس ثلاثة

الناس ثلاثة

المغرب اليوم -

الناس ثلاثة

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

الناس ثلاثة: واحد من الأسوياء، وآخر يعانى من عيب خِلقى جاء به إلى الدنيا ولا ذنب له فيه، وثالث يعيش على عيب خُلقى اكتسبه من الحياة.

فالذى يحيا بعيب في عينه، أو في إحدى قدميه، أو في النطق، أو في سوى هذا كله، يظل بريئًا مما فيه لأنه وُلد به، ولأنه لا يستطيع أن يتخلص منه، ولأنه يتمنى لو كان كبقية الناس الأسوياء، لولا أن المسألة ليست في يده ولا يملك تعديلها.

ولكن اللص على سبيل المثال يعانى من عيب خُلفى.. أي في أخلاقه.. وهو لم يولد هكذا، ولكنه جاء الحياه سويًّا كشأن أي إنسان سوى، فلما جاءته فرصة للسرقة سرق، ثم استمر في هذا الطريق دون أن يصادف ما يمكن أن يعيده إلى ما كان عليه.

وقد قرأنا عن اللص الذي كان يتزعم مجموعة من اللصوص، وعن أنهم لما جلسوا ذات يوم يدعونه إلى طعام يأكلونه اعتذر عن عدم مشاركتهم، وكان السبب أنه صائم!!.. وقد أدهشهم أن يكون لصًّا وصائمًا في ذات الوقت، ولكنه سرعان ما فسر لهم الأمر فقال إنه يحب أن يكون بينه وبين الله تعالى باب مفتوح لعل وعسى.

وكان المعنى أن هذا اللص الصائم لم يولد لصًّا، وكان المعنى أيضًا أنه اكتسب ما يمارسه من سرقات ولم يولد به، وأنه ليس راضيًا عن عيبه الخُلقى، وأنه يتمنى بينه وبين نفسه لو تخلص مما فيه، وأنه لا يستطيع أن يقاوم نفسه، ولا يستطيع أن يكبح نزوعها إلى الشر، وأنه يترك خلاصه للسماء لعلها تساعده، وأنه لهذا يصوم رغم ما يرتكبه.. وأنه.. وأنه.. إلى آخر ما حاول أن يشرحه لرفاقه ولكنهم في الغالب لم يدركوا ما يقصده.

ومن الجائز أن يكون لصًّا بدرجة فيلسوف ما دام هذا هو حاله مع عيبه الخُلقى، لأنه يعرف أنه اكتسب ما يعيشه، ولأنه يعرف كذلك أن ضعف نفسه هو الذي جعله على هذا الحال، ولهذا، فهو بما يصومه يأبى إلا أن يحاول العودة لحياته السوية التي ولدته أمه عليها.

وأنت لا تملك إلا أن تعطف على صاحب العيب الخِلقى، لأنه برىء مما يعانيه، ولأنه ليس هو الذي وضع هذا العيب في جسده، ولكن ما الذي عساك أن تفعله مع صاحب العيب الخُلقى؟.. هل تشفق عليه؟.. ربما.. بل ربما تعطف عليه كذلك، لأنك تراه ضعيفًا أمام عيبه، ولأنك قد تراه مريضًا في حاجة إلى علاج.. ربما أيضًا.. ولكن لا الشفقة ولا العطف يمنعان من إدانته لأن ما يقوم به لا يوجد ما يبرره تحت أي ظرف ولا تحت أي شعار.

هذه حياتنا في النهاية كبشر.. فيها وفيها.. ولا تملك إلا أن تراقب الأنواع الثلاثة من الناس على مسرحها، ثم تعجب مما تراه وترصده، وتعجب أكثر مما تتابعه على مستوى كل نوع منها، فربما كان هذا التنوع سرًّا من بين أسرار الحياة.. والشاعر القديم أراد أن يلخص الموضوع فقال: سبحان مَنْ أعطى فلا عتاب ولا ملامة.. أعمى وأعشى ثم ذو بصر وزرقاء اليمامة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناس ثلاثة الناس ثلاثة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:28 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 06:50 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

امتلك جزيرتك الخاصة في بولينيزيا الفرنسية

GMT 04:20 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

ماسك البقدونس المثلج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib