بقلم : سليمان جودة
كنت فى مرحلة من المراحل أتردد على أكاديمية الفنون فى الهرم، ولم أكن أعرف أن فيها مسرحاً كبيراً فسيحاً، ولا أنه يحمل اسم العبقرى سيد درويش، الذى لا يزال يوصف بأنه باعث النهضة فى الموسيقى المصرية، رغم أنه مات عام ١٩٢٣ فى سن ٣١ سنة.
كنت أتردد على الأكاديمية وقت أن كان الدكتور فوزى فهمى على رأسها، وكان الرجل يرحمه الله يعتبرها بيته الذى لم يرثه عن أبيه، وكنت أراه فى مكتبه بينما أكوام الملفات أمامه تكاد تغطى عليه، وكان يأخذنى فى جولات ممتدة فى داخلها، وقد كان بمثابة المؤسس الثانى للأكاديمية التى تضم الكثير من المعاهد العليا فى شتى الفنون.
هذه المرة ذهبت إليها أشاهد حلقة من برنامح «أبلة فاهيتا» فى موسمه الجديد على مسرحها، ومن بعيد لمحت اسم هيئة الترفيه السعودية على واجهة المسرح، وعرفت أنها استأجرته لتقديم وتسجيل حلقات موسم البرنامح عليه. وهى لم تشأ أن تستأجره وفقط، وإنما راحت تجدده وتبعث الحياه فى أركانه، ولا بد أنه بعد أن عادت إليه الأضواء سيكون جاهزاً فى المستقبل لتقديم عروض أخرى متنوعة.
ولا يزال يقال عن المسرح أنه «أبو الفنون» وهو كذلك لأسباب كثيرة يعرفها المتخصصون فيه، ولكن السبب الأول أن التفاعل بين ما يقدمه وبين جمهوره تفاعل مباشر، فلا حاجز على خشبته يقف فى طريق التفاعل المباشر، ولا حجاب فيه يرتفع بين الفن والجمهور. ويستطع الفنان الواقف على المسرح أن يقيس تجاوب المتلقى فى لحظته، وهذا ما لا تجده فيما يقدمه التليفزيون مثلاً، ولا السينما، ولا الإذاعة، ولا أى وسيلة تفتقد اللقاء المباشر مع جمهورها.
وربما كان هذا هو الذى اكتشفته هيئة الترفيه وهى تقدم العروض الخاصة بها على مسرح أبو بكر سالم فى العاصمة الرياض.
ولا تزال شخصية أبلة فاهيتا قادرة على انتزاع الضحكات بأسلوبها الساخر، وطريقتها الكوميدية اللاذعة، وهيئتها العرائسية التى ميزتها منذ ظهورها قبل سنوات. وقد استطاعت أن تتخلص من بعض ما رافق بدايتها من تجاوزات، فاجتذبت المزيد من الجمهور، الذى لا بد أنه يراها تطويراً على صورة من الصور لمسرح العرائس.
ويحتاج مسرح سيد درويش فى أكاديمية الفنون إلى أن يظل مضيئاً. فالمسرح.. أى مسرح.. ليس مسرحاً إلا إذا كانت أضواؤه تتلألأ فى كل مساء، وإذا كانت هيئة الترفيه قد بادرت فأضاءته، فلا بديل عن أن تكون هذه هى البداية نحو تقديم عروض أخرى، ولا بديل عن أن تشارك عروضه فى رفع منسوب الذوق والوعى لدى الجمهور.