ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية

ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية!

المغرب اليوم -

ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» عنوان الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم مع ثماني جوائز أخرى هذا العام؛ ويستند إلى رواية إريك ماريا ريماركو الألمانية عن الحرب العالمية الأولى وفظائعها التي ترتب عليها مقتل مليون إنسان، والجرحى ومَن فقدوا أطرافهم أعلى من ذلك بكثير. ولا أدري ما إذا كان ذلك من قبيل المصادفة أن الفيلم حاز الجائزة في الوقت الذي كانت معركة «باخموت» دائرة على قدم وساق في الجبهة الغربية على الساحة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا على طريقة الحرب العالمية الأولى من خندق إلى خندق ومن شارع إلى شارع. وعندما أعلن الأوكرانيون أنهم خرجوا من آخر شوارع المدينة المعروفة بالملح والشراب؛ فإن روسيا أعلنت عن انتصارها، إذ ذكر رئيس ميليشيات «فاغنر» الروسية أن عدد القتلى الروسيين في المدينة بلغ عشرين ألف قتيل. في حين لم يذكر أحد كم عدد القتلى الأوكرانيين، ولم يذكر أحد الجرحى وإلى أين ذهبوا؛ ولكن المشاهد التي خرجت من المدينة لم تكن تقل ذعراً ورعباً عمّا جاء في فيلم الأوسكار الذي ربما جاء في موعده لكي يطلق صرخة ضد الحرب. السينما العالمية في عمومها اهتمت بظاهرة الحرب لكي تخلّد البطولات والغزوات العظمى في كثير من الأحيان، ولكنها في هذا الفيلم وغيره أتت عن الحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب فيتنام وكوريا، ولفضح القسوة الإنسانية التي بعدما مشاهدتها سيتعجب المرء ما إذا كانت الحرب ونتائجها تستحق كل هذه المعاناة الإنسانية.

والحقيقة أنه في الحروب لا يوجد لا منتصر ولا مهزوم، وفي الأغلب فإن الجميع يكونون خاسرين. المشاهد الأخيرة في الحرب الروسية - الأوكرانية تعلن حالة مأساوية نجمت عن الانهيار الذي جرى في سد «كاخوفكا»، وكانت الأقدار ساخرة عندما اتهمت أوكرانيا روسيا بتدمير السد عن طريق تفجير من داخله، بينما اتهمت روسيا أوكرانيا بأنها قصفته بالمدافع فانهار. سوف تكون للأمر لجنة دولية للتحقيق فيه كما حدث في وقائع كثيرة للحرب لم تظهر لها أبداً نتائج، ولا بالطبع جزاء. حصل ذلك بينما لا أحد يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت أوكرانيا قد بدأت «الهجوم المضاد» أم لا، والاسم الجديد لما كان متوقعاً هو «هجوم الربيع»؛ إذ رأى الروس أن ذلك واقع وجارٍ الآن. أما الأوكرانيون فإنهم يصرون على أنه عندما يبدأ هذا الهجوم فإن العالم سوف يعرفه بالتأكيد. هو تعبير ملتبس، وغامض، لأنه من ناحية هناك هجمات أوكرانية جارية بالفعل على الجبهة الجنوبية - الشرقية، ولكنها نوع من الاستكشاف، والضربات الاختبارية لخطوط الخصم، هي نوع من التسخين ولكنه ليس حرباً شاملة بعد.

من ناحية أخرى، فإن أوكرانيا بدأت بمجموعة متوالية من الهجمات الموجعة في الداخل الروسي، وإحداها جرت على مبنى الكرملين، وعلى حي يقيم فيه أسر رجال المخابرات الروس. وعلى الحدود الروسية - الأوكرانية ظهر متطوعون روس قرروا المشاركة في الحرب إلى جانب أوكرانيا إما رفضاً للحرب وإما رفضاً لبوتين. حيث كان الحديث يزداد عن هذه المجموعات، لكن لم يذع صيتهم إلا عندما دخلت قوات عسكرية إلى مدينة «بيلغورود» الروسية الواقعة على الحدود مع أوكرانيا. ويعد هذا نوعاً من الغزو لكن في الاتجاه المضاد لما اعتدناه من دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا. فالتقارير عن الدخول إلى روسيا جاء من مجموعتين من الميليشيات، أولاهما فرقة «الحرية لروسيا» ويقدَّر عدد المشاركين فيها بنحو 500 مقاتل؛ وثانيتهما فرقة المتطوعين الروس، وهؤلاء من العسكريين الروس الذين لا يرفضون الحرب فقط، ولكنهم من أنصار القومية الروسية المتطرفة التي ترفض الفيدرالية الروسية وتريد دولة روسية نقية وصافية لا تكون فيها قوميات أخرى. المجموعة الأولى تختلف عن ذلك وتريد الدولة الروسية ضمن الحدود التي كانت عليها عام 1991 يوم انتهى الاتحاد السوفياتي.

هل هذا هو الهجوم المضاد الأوكراني أم أنها طريقة واستراتيجية جديدة للحرب الأوكرانية مع روسيا تقوم على إشعار الشعب الروسي بأنه صار ضحية الحرب التي أشعلها الرئيس بوتين؛ وأن هذه الحرب سوف تكون مؤلمة، وأن روسيا لن تكون مستبعدة من آلامها؟ إن نمط الحرب الجارية يستند إلى استخدام كثيف للطائرات المسيّرة بالغة الدقة، والتي تعاونها وتغذّيها أجهزة المخابرات البريطانية والأميركية والألمانية بالمعلومات الدقيقة. فالحرب أيضاً تقوم على عمليات ذات صورة إعلامية مهينة يوجد فيها الكثير من الحرائق والدخان الناجم عن ضرب مواقع للذخائر أو مستودعات للنفط. في مواجهة ذلك فإن روسيا مرتبكة، ولا يبدو أن لها استراتيجية واضحة، والانتقادات المُرة للقيادة العسكرية الروسية من قادة ميليشيات تدل على درجات من التفتت داخل الدولة الروسية في لحظة حرب حرجة. ورد الفعل الروسي على الضربات الأوكرانية ركّز على الضربات الكثيفة للعاصمة كييف، إضافةً الى ضربات للبنية الأساسية ممثلةً في سد «كاخوفكا» وخط أنابيب الأمونيا في «خاركيف»، واتهام أوكرانيا بالقيام بهذه الهجمات. العكس يمكن أن يكون صحيحاً أيضاً، فجزءٌ كبير من الاحتياطات الاستراتيجية الأوكرانية هو استمرار تعاطف العالم مع كييف والرئيس زيلينسكي لخلق حالة مستمرة من التعاطف والتأييد وتقديم العون.

والمعلوم أن الحروب لا تُحسم بحملات دعائية ناجحة، أو بوصف الخصوم بالسوء، ولا بمحاولة الرئيس الروسي في مطلع الحرب تصوير الرئيس زيلينسكي ورفاقه على أنهم جماعة نازية. فالحروب تُحسم في ميادين القتال، وما يحدث حالياً لا يرقى إلى مستوى المعركة الكاملة؛ وإنما هي حرب إعلامية وسياسية تقف خلفها عمليات حشد وتعبئة عسكرية لمواجهة في يوم موعود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية ليس كل شيء هادئاً على الجبهة الغربية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أحلام تتألق بإطلالة ملكية فاخرة باللون البنفسجي في حفلها بموسم جدة

جدة - المغرب اليوم

GMT 01:04 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروب "كافي توبا" الحلال يحارب بطالة السنغال

GMT 17:36 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

التراس الرجاء البيضاوي تهاجم سعيد حسبان وتصفه بالخبيث

GMT 15:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الفيلا صديقة البيئة المكان المناسب لقضاء العطلة

GMT 09:02 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مليون زهرة شتوية تزين شوارع عنيزة في المملكة السعودية

GMT 03:18 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

عرض الفيلم المغربي "عمي" خلال مهرجان "مشاهد عربية" في واشنطن

GMT 06:35 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين "أرامكو" و"غانفور" لشراء فرضة "ماسفلاكت" للنفط

GMT 19:03 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

الوداد ينجّح في رفع عقوبة المنع من الفيفا

GMT 21:37 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يرتفع بدعم من ارتفاع الطلب وشح الإمدادات بأميركا

GMT 20:54 2023 الخميس ,18 أيار / مايو

البيض يتوقع الفائز بدوري أبطال أوروبا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib