التجربة والفرصة

التجربة والفرصة

المغرب اليوم -

التجربة والفرصة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

أصبحنا جميعًا نعرف ما علمنا إياه الصينيون من أن فى الأزمة أخطارًا وفرصًا؛ ونحن الآن نعيش فى ظلال حزمة من الأزمات، وعلينا أن نخرج منها بأعلام خفاقة. القائمة باتت معروفة عما جرى خلال السنوات العشر الماضية، التى بدأت بأزمات ما بعد الربيع العربى المزعوم من فوضى لدينا وحروب أهلية فى دول الإقليم، بعضها لا يزال ساخنًا فى سوريا واليمن وأخيرًا فى السودان، ولم تنتهِ بعد بسلسلة أزمات الإرهاب والكورونا والحرب الأوكرانية، وأخيرًا حرب غزة الخامسة، التى تَشِى باتساع نطاقها من الشام إلى مضيق باب المندب؛ وإذا ما استمرت طبول الحرب قارعة فسوف تصل إلى الخليج. مجمع الأزمات هذا أعطانا قدرًا كبيرًا من النضج والخبرة والحكمة، يظهر الآن فى إدارة الأزمة الراهنة، التى ندخلها بمشروعية انتخاب قيادة متمرسة، بعد تمكن شخصيات من دخول الانتخابات، كان على رأس برامجها حرب مع إثيوبيا وأخرى مع إسرائيل، وفوق ذلك عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية مرة أخرى. الانتخابات الرئاسية، وقبلها ممارسة الحوار الوطنى، كان فيهما قدر كبير من التدرُّب على المسؤولية، وعلى أن الدولة المصرية تقطع مسارها الخاص فى التطور والتغيير، الذى يبدأ بالبيئة المادية للإقليم المصرى، وإقامة العدالة بين أقاليم الدولة كلها، لا يُستثنى منها ريف ولا حضر ولا محافظات على بحر أو نهر. لم يعد الأمر فى مصر شعارات تُرفع لتنمية الصعيد، ويمر العام وراء العام ولا يلقى الصعيد إلا النزر القليل؛ ولا حلفان القَسَم على تعمير سيناء، وتمضى السنة وراء الأخرى، فلا يكون هناك إلا نفق يتيم وجسر للسلام أقامته اليابان، بينما بقيت سيناء على حالها، حتى باتت موئلًا للإرهاب الممتد حتى وادى النيل.

التجربة كانت غنية بالأصول الجديدة والمثمرة، واستيعاب ٢٠ مليون نسمة إضافية، غير اللاجئين والنازحين، ولكن كان لها ثمن تمثل فى مجمع من الديون الداخلية والخارجية، وتضخم وزيادة فى أسعار السلع، مع تراجع فى معدلات النمو وتقديرات المؤسسات المالية الدولية لمستقبل الاقتصاد المصرى. هذه المعادلة ما بين غنى الأصول فى ناحية وتهافت السوق المصرية وضعف عملتها واضطراب قراراتها وأسعار سلعها من ناحية أخرى؛ على ما تسببه من مصاعب وآلام للشعب المصرى قابلة للعلاج إذا ما عرفنا أمرين: أولهما أنه لا يجوز فى القرن الواحد والعشرين إعادة اختراع العجلة؛ وثانيهما أن الأصول التى حققناها من الطرق والكبارى والجامعات والمصانع والمزارع والمدن الجديدة، كلها تكفى وزيادة لإعادة التوازن مرة أخرى إلى الاقتصاد المصرى إذا ما بدأنا فى استخدامها والاستثمار فيها. كل ما نحتاجه هو أن نعرف كيف استخدمت شعوب ودول مثل الصين والهند وفيتنام وكوريا الجنوبية وغيرها العجلة، التى تحقق التوازن للاقتصاد القومى ودفع الأفراد والشركات إلى التنافس الداخلى والخارجى فى سوق حرة ومبدعة.

المسألة من ناحيتنا جرى تكرار المقترحات الخاصة بها، التى تبدأ بتطبيق مشروع إصلاح النظام الإدارى للدولة، والذى كان منتظرًا تطبيقه مع الانتهاء من العاصمة الإدارية، ومن ثَمَّ تكون هى العقل الذى يُدير بالرقمنة جهاز الدولة فى أقاليم مصر، التى آن الأوان لتحريرها من المركزية الشديدة، وتحويلها إلى قدرات استثمارية جديدة، ومتنوعة تنوع اقترابها أو ابتعادها من النهر، حيث الدلتا والصعيد، والبحرين الأبيض والأحمر وخليجى العقبة والسويس ومثلث قناة السويس وفرع دمياط وطريق القاهرة والعين السخنة، ونهر النيل الجديد فى الصحراء الغربية من «توشكى» إلى الدلتا الجديدة ومتفرعه فى الوادى الجديد والواحات والعوينات.

وإذا كنا نريد «جمهورية جديدة» حقًّا فإن عليها أن تتخلص من التقاليد المركزية، وتنظر فى الإقليم المصرى وترى ما فيه من فرص وإمكانيات مادية وبشرية. ما نحن بصدده حقًّا مرحلة جديدة ليس فقط فى البناء، وإنما أكثر من ذلك فى التفكير فى أن المرحلة المقبلة سوف تعتمد كثيرًا على قدراتنا الذاتية، وسوقنا المحلية، وتكاملها الإقليمى، فى بيئة تشتد فيها المنازعات والصراعات، بينما تكون علينا رعاية مائة وعشرين مليون نسمة فى المتوسط خلال السنوات الست المقبلة. باختصار، فإن واجبنا إزاء المشروع الوطنى المصرى أن نعرف من الآن أن العالم والإقليم الشرق أوسطى سوف ينتابه الكثير من القلق والاضطراب، الذى يلحق بالقوى المختلفة، التى لن يستثنى منها قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. مصر سوف يكون عليها دائمًا أن تكون رمانة الميزان، التى تعطى الشرق الأوسط الأمان والسلام، والواحة التى تخلق فرص الرخاء والازدهار؛ والتى فيها من الحكمة ما يكفى للسلوك الإيجابى بلا تورط، ومن الكمون الاستراتيجى ما يكفى للبناء بلا عزلة أو انكفاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة والفرصة التجربة والفرصة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:31 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 03:22 2016 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إيما ستون تنطلق في فستان أزرق مزخرف ولامع

GMT 02:24 2014 الأربعاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

التطريز اليدوي الفريد يمنحك قطعة ملابس لا تتكرر

GMT 02:01 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فادية عبد الغني تؤكد أن تجسيد شخصية "بديعة مصابني" أرهقها

GMT 06:35 2017 السبت ,14 كانون الثاني / يناير

"مشاغبات مثقف ثوري" كتاب جديد لعبد الخالق فاروق

GMT 05:32 2017 الإثنين ,25 أيلول / سبتمبر

حقيقة انفصال الأمير هاري عن حبيبته ميغان ماركل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib