القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

المغرب اليوم -

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

ضمن حالة اللانظام العالمي المعاصر، يرتفع الصوت الصيني باحثاً عن دور وازن على خريطة الشطرنج الإدراكية تارة، ورغبة في قطبية عالمية مهيمنة، تدفعها غريزة بشرية نحو السلطة والهيمنة المطلقة، الأمر الذي يطلق عليه الكاتب الأميركي لانس غور «فخ الطبيعة البشرية».

هل تسعى الصين لقيادة العالم؟

يقدم الزعيم الصيني شي جينبينغ ثلاثة مسارات أممية للعالم المعاصر: السلام والتنمية، المساواة والعدالة، الديمقراطية والحرية.

على الجانب المادي غير المؤدلج، تطرح بكين أكبر مشروع لوجستي في القرن الحادي والعشرين: «الحزام والطريق»، لتجمع بين ما هو متخيل وواقعي دفعة واحدة. والمؤكد أن استعراضاً عسكرياً أخيراً كشف مقدار القفزة الصينية المسلحة براً وبحراً وجواً، وكأن الأمر حمل رسالة للولايات المتحدة الأميركية من ناحية الغرب، ولروسيا واليابان من جهة الشرق.

بدا واضحاً أن الصين تتهيأ لانتهاء الغرب من الإشكالية الأوكرانية، والتفرغ من ثم للمواجهة معها.

تقرأ بكين بعمق السعي الأميركي الحثيث لوضع حد لصراع الإرادات بين بوتين وزيلنسكي، وما حديث قمة بودابست المقبلة، سوى دليل على أن هناك رغبة في التحضر للمنافس الاستراتيجي الأكبر والأخطر للعم سام.

لم يعد هناك شك في أن شهوة التمدد القطبي تساور الصين، ولهذا باتت المؤشرات تقطع بمواكبة الجيش الصيني لنظيره الأميركي، وتجاوزه أحياناً بدعم من التكنولوجيا المتقدمة.

وفي الوقت عينه، بات جلياً أن الصين قد تجاوزت مرحلة سرقة آخر الابتكارات العلمية والتقنية الأميركية، ولعل ظهور برنامج البحث المتقدم «Deep Seek» يقطع بأن مجتمعاً مغايراً للذكاء الاصطناعي يزخم ويدعم طموحات أحفاد سلالة الهان، التي كانت عظيمة عسكرياً يوماً ما.

قبل أيام، أطلق القائد الأميركي في المحيط الهادي تصريحاً ينم عن تسارع فكرة القطبية الصينية القادمة لا محالة: «الميزة التكنولوجية للجيش الأميركي تضعف تدريجياً مع استمرار الصين في تحقيق اختراقات للأسلحة المتقدمة».

قصد الجنرال رونالد كلارك من دون أدنى شك، طائرات الصين من الجيل السادس، وأبرزها «J - 36» المعروفة أيضاً باسم «الإمبراطور الأبيض»، و«j - 50»، وكل منهما يتميز بقدرات تخفٍ متعددة، وإمكانية العمل في الفضاء الجوي، وتكامل مع الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التحكم في أسراب الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى أنظمة دفع متطورة.

ولعله من نافلة القول أن الصين تضع نصب أعينها ترسانتها النووية، وتطويرها من حيث الكيف، ومؤخراً أعلنت أنها تمتلك القنبلة الهيدروجينية المحمولة على صواريخ باليستية، ما يعني قدراتها على تصدير الموت الطائر لأي بقعة أو رقعة حول الكرة الأرضية.

ما الذي يدفع الصين في هذه المسارات العسكرية الصريحة غير المريحة؟

قطعاً حال المسكونة المتسق مع فلسفة «عالم الأدغال»، لا سيما في ظل تراجع واضح لنهج العولمة، وحقبة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والعودة الواضحة، وربما الفاضحة إلى منهجية سياسات القوة التي تذكر بـ«شريعة الغاب»، في الشؤون العالمية، ومعروف لمن لهم دلالة على قراءة مسار آلاف السنين من السوابق التاريخية؛ حيث يشكل منطق القوة فهماً مشتركاً، وقد سلكت الدول الكبيرة والصغيرة هذا النهج تاريخياً، كل بطريقته الخاصة، وحتى الدول التي تفتقر إلى خبرة مباشرة يمكنها الاعتماد على إطار نظري راسخ.

ولأن الجيوش تمشي على بطونها، لهذا يبدو الاهتمام الفائق للصين المعاصرة بتعزيز مقدراتها الاقتصادية، والانطلاق حول العالم لتجذير قطبيتها.

هل أتاك حديث إمبراطورية الخرسانة التي تشيدها الصين في عدد واسع من دول أميركا الجنوبية؟

ربما هذا كان السبب الرئيس وراء لقاء الجنرالات الأخير في فيرجينيا؛ حيث تكلم الرئيس ترمب ووزير حربه هيغسيث، عن الاهتمام بالجوار، أكثر من الخارج البعيد، مع ما يعنيه هذا من تغليب الفلسفة الانعزالية، كمرحلة أولى مؤكدة من دفع ضريبة فرط الامتداد الإمبراطوري.

القطبية الصينية حكماً تسعى للاستعلان أول الأمر في محيطها الإقليمي، عبر إعادة تايوان ولو بالقوة الخشنة، وإغلاق ملف جزر ريوكيو مع اليابان كحساب نهائي، عطفاً على فرض السيطرة على بحر الصين الجنوبي، وربما التهام منغوليا كفريسة سهلة، ومن غير إغفال لسيبريا الواسعة الشاسعة، ما يعني تغيرات عميقة في المعادلة الدولية المختلة.

يخطر لنا التساؤل في نهاية هذه القراءة المختصرة: إذا كانت الصين تراهن على ملء مربعات النفوذ التي تفقدها واشنطن، فهل يعني ذلك أن لديها البديل الآيديولوجي والمثال الأخلاقي المغري للعالم، أم أن هشاشة تكتونية ماورائية قائمة في ثنايا وحنايا قطبيتها، ما يجعل من الصعب القول بأنها ستحتل مكانة الغرب في المدى الزمني المنظور؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة» القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:16 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

عصر الليمون في نيويورك

إليسا تخطف الأنظار بإطلالات تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم
المغرب اليوم - موسم الرياض الترفيهي 2025 يسجل حضور مليون زائر منذ انطلاقه

GMT 17:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بوتين يشيد بصاروخ نووي فريد لا تملكه أي دولة
المغرب اليوم - بوتين يشيد بصاروخ نووي فريد لا تملكه أي دولة

GMT 20:39 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

جورج بوش يوجه انتقاداً نادراً لترمب

GMT 16:46 2023 الجمعة ,10 شباط / فبراير

روسيا تُطور سفن إمداد بحري بمواصفات مميزة

GMT 17:03 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

برشلونة يفتتح مشواره في كأس ملك إسبانيا ضد إنتر سيتي الليلة

GMT 11:11 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يتراجع إلى المركز 94 عالمياً على "مؤشر سيادة القانون"

GMT 21:07 2022 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

نزاهة الانتخابات فى الولايات المتحدة "أولوية قصوى"

GMT 14:45 2022 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

أرسنال يبدأ التحرك لضم خط وسط بعد إصابة النني

GMT 16:54 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

القاضية غادة عون تُصدر قراراً بمنع رياض سلامة من السفر

GMT 04:57 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل بنشرقي والزمالك يدخل مرحلة الغموض

GMT 13:15 2021 الإثنين ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"ناسا" تطور مشروعا جديدا لدراسة مناخ الأرض
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib